كتبت - يسر سلامة:
في ليلة عيد؛ حيث كانت الشمس تستعد للرحيل في يوم خريفي، كان ''متولي'' وزوجته وأطفاله الستة يقضون يومهم داخل منزلهم البسيط؛ يتدبرون احتياجات العيد هذا العام، رغم ضيق ''ذات اليد''، وسرعان ما يتحول التفكير من الاستعداد لفرحة العيد واستقباله، إلى كيفية مواجهة ''الغرق''.
''الميه جت علينا من فوق الجبل، الحاجات كلها باظت ومش عارفين نشيل إيه ولا إيه''.. لحظات غرق منزل ''متولي'' يتذكرها وزوجته كأنها كانت بالأمس؛ فمياه الصرف الصحي التي انفجرت على منازلهم لم تبقي فيه سوى أكوام من الطين.
يعمل الرجل الأربعيني ''فرّاش'' بأحد مدارس الصف، ويسعى لسد حاجة أولاده الستة وزوجته التي ترعاهم طوال اليوم، تشكو من ضياع منزلها، لم يبق من منزلها سوى مرتبة النوم الموجودة بالشمس لتجف، وبعض من أدوات المطبخ، ليرحل كل شيء مع مياه الصرف.
''متولي'' يحمل طفلته على يده طوال حديثه، لا يجد لها ولباقي أشقائها مكان وسط أكوام الطين، تحت سقف غرفة واحدة تحميهم من الماء، هي الغرفة الوحيدة التي جفت منذ أيام، كانوا قبلها يتنقلون ''ساعات بنروح عند حد من جيراننا''.
''أكثر من 16 سنة أول مرة أشوف الميه كده والمنظر ده''.. بتلك الكلمات يصف ''متولي'' ما حدث، مضيفًا: ''الحاجات كلها باظت مش عارفين نشيل إيه ولا إيه''، وتتجاذب زوجته طرف الحديث '' قعدنا برة المكان في الزرعة، والناس يجيبولنا أكل، لغاية ما الميه تنشف''.
حياة يغلب عليها الشقاء تعيشها الأسرة وسط فقرها، زادتها بؤسًا مياه المجاري التي دخلت على المنزل، تأن زوجة ''متولي'' بشكوتها ''التلاجة اتحرقت وكل حاجة باظت''، بعد أن لم يتبق شيء لها ولأولادها.
طبقات من البكتيريا والطفيليات كونتها مياه المجاري حول بيت ''متولي''، حول بيوت بسيطة بناها سكانها بسواعد أبنائهم، لتتركهم تحت خطر المرض و''البلهارسيا''، التي تنتظر أن تنهش أجساد أطفالهم، وليالٍ شتوية قاسية البرودة ينتظرونها وسط العراء والطين.
''الـ2000 جنيه مش هترجع البيت اللي راح''.. هكذا علق ''متولي'' على تعويض محافظة الجيزة على ما أصاب العشرات من عائلات عزبة ''الجمّال''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا