الرباط - (د ب أ):
مباشرة بعد الأحداث الإرهابية التي هزت العاصمة الاقتصادية الدار البيضاءً في يوم 16 مايو 2003 بدا التفكير جديا في المملكة المغربية في ضرورة إعادة هيكلة الحقل الديني والبحث عن أنجع السبل لتحصين المغاربة من أي فكر متطرف يمكن أن يودي إلى ممارسات لا تحمد عقباها. فإلى جانب المقاربة القانونية والأمنية التي انطلق التفكير فيها، لا حت في الأفق ضرورة الاهتمام بالتوعية الدينية الإعلامية.
وبما ان المغرب لم يكن يمتلك في تلك المرحلة علي أي قناة إعلامية متخصصة من الناحية الدينية ، كان لزاما إيجاد فضاء إعلامي يقدم المادة الشرعية وفق النموذج الديني المغربي الذي يرتكز علي القران الكريم والسنة النبوية الشريفة والمذهب المالكي والعقيدة الأشعرية.
ولقد ساهم الوضع الجديد الذي فرض علي الدولة بعد انفجار شباب في قلب العاصمة الاقتصادية وما تلا هذا الحدث الأليم من أخبار السلطات الأمنية المختصة بتفكيك شبكات قيل إنها إرهابية واعتقال مئات من المحسوبين علي ما يسمي تيار السلفية الجهادية (ساهم) في إطلاق مولود إعلامي إذاعي الأول من نوعه في المملكة المغربية اختير له اسم إذاعة محمد السادس للقران الكريم وذلك خلال شهر نوفمبر 2004.
والغريب في الأمر أن هذا المشروع الإعلامي الذي خرج إلى الوجود باتفاقية بين وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية والشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة كان يعتقد أنه لن يلقي انتشارا كبيرا وسط مجتمع بات اقرب إلى الانفتاح العصري، إلا أن هذه الرسمية التي تعني بالقران الكريم أخذت مكانتها بسرعة فائقة إلى درجة أنها احتلت صدارة الاستماع بشكل لافت للانتباه.
وفي هذا السياق تشير النتائج التي أعلنت عنها أخيرا مؤسسة ماروك متري (المتخصصة في قياس نسبة مشاهدة والاستماع الإذاعات والقنوات التلفزيونية بالمغرب) إلى احتلال إذاعة محمد السادس للقران الكريم المرتبة الأولى باستقطابها لأزيد من أربعة ملايين مغربي يوميا ممن يثبتون مذياعهم علي أمواج المذكورة ويخصصون لها استماعا تفوق مدته الساعة وأربعين دقيقة.
وهو الأمر الذي اعتبره إدريس أولحيان مدير إذاعة محمد السادس للقران الكريم في تصريح لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) إنجازا كبيرا مرجعا ذلك إلى تنوع برامج هذه وتقديمها للمستمعين طبقا إذاعيا متميزا أساسه طبيعة النموذج الديني المغربي المبني علي وحدة العقيدة والمذهب والمتميز بروح التسامح.
فالقائمون علي إذاعة محمد السادس للقران الكريم يعتقدون ان ميلاد منتوج إعلامي ديني في المغرب حكمته فلسفة واضحة المعالم تتجلي في إبراز روح التسامح والانفتاح المستهلمة من هدي القران الكريم والسنة النبوية الشريفة وفق منهج الموعظة الحسنة والابتعاد عن مظاهر الغلو في الدين أو التطرف.
وجميع الفقرات التي تبثها شبكة برامج إذاعة محمد السادس للقران الكريم تتمحور حول مواضيع ذات الصلة بالقران الكريم والسنة النبوية العطرة إلى جانب كل ما من شانه أن يساهم في خلق مرجع ديني للمستمعين. أنها سلة متنوعة من البرامج والفقرات التي تتخللها حصة معتبرة من القران الكريم بأصوات كبار المقرئين المغاربة والمشارقة.
والي جانب الحصص التي تبث يوميا (نسبتها تفوق 50 في المئة من إجمالي مدة بث ) من ترتيل مغاربة من أمثال الشيخ القزابري والعيون الكو شي والشيخ الحديدي وغيرهم، فإن إذاعة محمد السادس تستعين بكبار الشيوخ المشارقة في مقدمتهم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد والشيخ الصديق المنشاوي وسعد الغامدي وغيرهم.
هذه الحصص القرآنية التي وضعت لها برمجة خاصة ترافقها برامج اخري متنوعة التي تعد بالعشرات. فهناك برامج تعتمد على تفسير معاني القران الكريم وأخرى تتوقف عند أسرار السيرة النبوية وبرامج تفاعلية يترك فيها المجال للمستمع لطرح تساؤلاته التي يجيب عليها متخصصون من فقهاء وعلماء تتم استضافتهم لتقديم الأجوبة الشافية.
كما تحتل البرامج الأثيرية مكانة لا يستهان بها لأنها تنشط من قبل شباب ألف المستمعون أصواتهم من أمثال محمد الخيراوي وياسين الطلعاوي ووفاي جبران وسهام فوزي وغيرهم.
إنها قائمة لأسماء من صحفيين وتقنيين يسهرون على التواصل مع مستمعي إذاعة محمد السادس، وفق سياسة إعلامية واضحة يعرفون ما لهم وما عليهم خلال تواصلهم مع المغاربة سواء تعلق الأمر ببرامج مباشرة او مسجلة. والملاحظ أن إذاعة محمد السادس ورغم طابعها الديني إلا انها تقدم برامج متنوعة مثل برامج التوعية الصحية والنصائح الخاصة بالتغذية وكذا برامج مرتبطة بالصحة النفسية وبتقديم الاستشارات الاجتماعية والقانونية.
ومن بين الفئات المستهدفة من برامج الشباب وكذا الأطفال الذين تخصص لهم حصص يوم الأحد إذ تبث برامج علي شكل مسابقات بين أطفال ينتمون لمدارس تعليمية مختلفة. وللمرأة أيضاً حظ في شبكة برامج هذه وهي البرامج التي توطرها متخصصات في القضايا النسائية.
ومن بين حسنات هذه التي اصبح لها بث متواصل طيلة 24 ساعة منذ أزيد من خمس سنوات انها منفتحة على مختلف اللغات العربية والأمازيغية والحسانية (لهجة المنطقة الجنوبية) وكذا الفرنسية والانجليزية. وحسب المسؤولين في الإذاعة فان هذا الأمر يدخل في صلب الانسجام مع التعدد اللغوي الذي يميز المجتمع المغربي وهناك نية لإيصال الخطاب الديني لجميع المغاربة بمختلف تكوينهم اللغوي علما أن عددا من المواطنين يتحدثون خصوصا اللغة الفرنسية وآخرون يتحدرون من مناطق أمازيغية من المفترض أن تقدم لهم برامج تفسيرية باللهجة التي يفهمونها ويستوعبون معانيها.
لذلك فان داخل مقر إذاعة محمد السادس للقران الكريم، التي يوجد مقرها غير بعيد عن المقر الرسمي للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية (القطب الإعلامي العمومي) تجد صحافيين وتعاونا بين وتقنيين يشتغلون مثل خلايا النحل، يتحركون في فضاء ضيق من حيث المساحة لكنه رحب بطاقات مهنية رفعت التحدي وبوأت الإذاعة الصدارة من حيث نسبة الاستماع متفوقة بذلك علي عدد من الإذاعات الخاصة التي تعتمد النشاط الفني أو البرامج الاجتماعية.
يشار إلى انه بعد إطلاق إذاعة محمد السادس للقران الكريم بحوالي سنة وبعد النجاح الذي حققته ، تقرر إطلاق قناة محمد السادس التلفزيونية التي مازالت تبحث عن موقع لها بين باقي القنوات الدينية. إنها محاولة إعلامية لضبط التأطير الديني للمغاربة الذين كانوا إلى وقت قريب لا يجدون أمامهم سوي القنوات الفضائية الأجنبية، فهم الآن يتوفرون على الأقل علي قناة قريبة من ثقافتهم الدينية.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ... اضغط هنا