كتبت - نوريهان سيف الدين:
جو ملبد بالبخار تكاد ألا ترى فيه يديك، روائح الأعشاب العطرية وماء الورد والبخور تفوح من المكان، صوت انسكاب الماء من حولك، وربما تسمع همسات الفتيات أو ضحكات السيدات، وفي الخارج تجد أكوامًا من ''البشاكير البيضاء'' المغسولة و''المنشورة للتهوية'' مستعدة لاستقبال زبائن جدد.
عادة ما تبدأ رحلة المعرفة مع ''الحمّام البلدي'' عند الاستعداد لحفلات العرس؛ فمنذ القدم كانت العروس والعريس يذهب كل منهما على حدة للحمّام قبل موعد الزفاف، والاستعداد له من خلال التنظيف والاسترخاء والتجميل أيضًا.
قديما كانوا يلقبونه بـ''الطبيب الأبكم''؛ فهو المكان القادر على تهيئة الجسم، ولقدرة بخار الحمام على علاج الأمراض، وأيضًا التدليك الصحي لاسترخاء الجسد، إلا أن بالوقت ظهرت مراكز التجميل ''سبا'' كمنافس قوي، لكن رغم هذا فإن الزبائن يؤكدون ''الحمّام البلدي يكسب طبعًا''.
في منطقة باب الشعرية العريقة، وتحديدا في شارع ''أمير الجيوش'' المؤدي لمنطقة شارع المعز، تجد عدة حمامات بلدية يمتد تاريخها للعصر المملوكي في مصر، أشهرها حاليا هو ''حمام مرجوش''؛ إذا كان الوقت نهارًا فممنوع على الرجال الدخول؛ فهو وقت ''الستات والبنات''، ودائمًا ما ستجد ''عروسة وأمها وصديقاتها'' جئن للاتفاق على جلسات ''التكييس والبخار'' وغيرها من مراحل تجهيز العروسة.
بيت يرتفع لدور واحد فوق الدور الأرضي، بضعة درجات حجرية تمكنك من النزول لممر صغير ينتهي بـ''بوابة الحمام''، لتجد المكان عبارة عن صالة متسعة توجد بها بعض ''الدكك'' الحجر والرخام والخشب أيضًا، وثلاثة غرف من بينهم ''غرفة البخار''، و هي المتصلة بـ''المستوقد'' الذي يستخدم نار تسوية ''قِـدَر الفول'' في غلي مياه الحمام، وبالطابق العلوي غرفتين للتكييس والبخور.
''أم رأفت''، مديرة المكان في الفترة المخصصة للسيدات، يعاونها أكثر من عشر سيدات وفتيات، تقول إن المكان قديم جدًا، عمره يقارب 400 سنة، ومملوك أبًا عن جد لعائلة زوجها ''الحاج مصطفى زينهم''، وأن الفترة الصباحية هي المخصصة للسيدات وتنتهي في الخامسة عصرًا؛ لتبدأ فترة ''الحمام الرجالي''، وهنا تبدأ ''وردية'' الحاج مصطفى'' والشباب وتستمر حتى الفجر.
زائرات المكان قلّن إن الحمامات البلدي ''أحسن بكتير'' من مراكز التجميل، خصوصًا لو هناك ''عروسة''، ''عزة البوادي'' هي أم لإحدى العرائس ''روحنا سألنا في مركز تجميل وقالوا لنا إن جلسات تجهيز العروسة فقط تتجاوز 4 آلاف جنيه، إنما هنا السعر ميزيدش عن 500 للعروسة، وحوالي 350 ليا وللبنات.. وكمان أحسن من 100 سبّا''، مشيرة إلى أنها ونساء عائلتها وأغلب نساء المنطقة تعودن على التردد على الحمام منذ أن تزوجن، خاصة في الأعياد أو بعد الولادة أو عند مرض إحداهن، حسب قولها.
و قالت ''عبير''، إحدى العاملات بالمكان، إنهم يستخدمون كل شيء طبيعي في الحمام، بداية من ''قشور البرتقال والليمون لتفتيح البشرة وإكساب الجلد طراوة، والطمي المغربي، وماء الورد، والترمس المطحون لإزالة الشعر، علاوة على البخور وأخشاب الصندل لتعطير الجسم''، وأن العمل يتوزع على الفتيات ما بين ''التدليك والتكييس وإزالة الشعر والماشطة'' ورسم الحنة أحيانًا.
''حمّام مرجوش'' ليس هو الوحيد في المنطقة، بل يوجد أيضا ''حمام السلطان إينال''، بميدان بيت القاضي في شارع المعز، وكذلك حمامات ''الملاطيلي وقلاوون''، بباب الشعرية، وحمام باب البحر، وحمام ''التلات'' بالموسكي، وحمام ''الأربع'' ببولاق أبو العلا''، و جميعها تتسم بالديكورات والزخارف الإسلامية والأبواب والطرقات الضيقة الصغيرة، التي تعمل على توفير الهدوء ومنع تيارات الهواء والضوضاء عن المكان.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا