كتبت - نوريهان سيف الدين:
يتذكرها جيدًا جيل السبعينات والثمانينات، برنامج مميز على شاشة التليفزيون المصري ينقلك لسلطنة الطرب العربي الأصيل، تشرح لك ببساطة وصوت هادر المقامات الموسيقية، ما بين ''البياتي والرست والنهاوند''، وبين أصوات الناي والكمان والعود والقانون''، بين عشاق الموسيقى العربية، بين كل تلك النغمات عاشت ''الدكتورة رتيبة الحفني'' ملكة متوجة على عرش الموسيقى العربية.
وعن عمر ناهز الـ82، رحلت عن عالمنا النغمة العربية الجميلة ''الدكتورة رتيبة الحفني''، بعد سنوات طوال من الإبداع الغنائي و الموسيقي، وإدارة بارعة للأوبرا المصرية ومهرجان الموسيقى العربية.
''رتيبة محمود أحمد الحفني''.. ولدت في 1931 لأسرة متذوقة للموسيقى؛ فثقافة النغمات اكتسبتها من ''والدها الموسيقار''، صاحب مبادرة ''حصة المزيكا'' بمدارس مصر، إلى جانب تأليفه لعدد كبير من كتب وأبحاث الموسيقى، أما الصوت العذب ورثته من ''الجدة الأوبرالية'' القادمة من ألمانيا.
تعلمت ''رتيبة الحفني'' العزف على آلة ''البيانو'' وهي في سن الخامسة، واستكملت دراستها في برلين وميونخ بعد ذلك، لدى عودتها إلى القاهرة، قامت بالغناء في أوبريت ''الأرملة الطروب'' أمام الفنان ''كنعان وصفي'' في 1961، ووصلت نغماتها إلى ''باريس'' و هي تنشد ''أوبرا عايدة'' مؤدية دور البطولة.
إلى جانب الغناء الأوبرالي والدراسة الأكاديمية، تولت ''رتيبة الحفني'' عمادة معهد الموسيقى العربية، كما كانت أول امرأة تتولى إدارة ''دار الأوبرا المصرية''، إلى جانب رئاستها لمهرجان الموسيقى العربية، وبمجهوداتها وصلت بالمهرجان لصفة العالمية، و استطاعت ''الحفني'' أن تضيف بعض المسابقات الموسيقية المتخصصة في المقامات و(الطقاقيق) الموسيقية على مدار سنوات المهرجان السابقة، وإلى جانب الموسيقى، اجتذبت مبدعي الفنون لتزين بهم ''دار الأوبرا'' من خلال تكريم نخب مختلفة من فناني الخط العربي أو العزف أو الفن التشكيلى وغيره.
عاشت ''الدكتورة رتيبة'' ممدة بيد العون للمواهب الغنائية الشابة؛ فمن ''مدرسة الموسيقى العربية'' تخرج كل من ''خالد سليم، ريهام عبد الحكيم، آمال ماهر'' وغيرهم، ورصعت ليالي المهرجان بنجوم كبار مثل ''هاني شاكر، هدى سلطان، علي الحجار، أنغام، غادة رجب، لطفي بوشناق، صفوان بهلوان، ذكرى، فؤاد زبادي، وعازف العود العراقي العالمي ''نصير شمة''.
تولت ''رتيبة الحفني'' عددًا من المناصب من أهمها رئيسة لدار الأوبرا المصرية، في الفترة من يونيو 1988 إلى مارس 1990، ورئيسة المجمع العربي للموسيقى التابع لجامعة الدول العربية، ومعيدة للمعهد العالى لمعلمات الموسيقى عام 1950.
كما حصلت على ''جائزة الدولة التقديرية في الفنون'' من المجلس الأعلى للثقافة المصري لعام 2004، وعملت حتى النهاية كمستشارة لدار الأوبرا ''رغم أمراض الشيخوخة''.
كما عاشت وسط النغمات والموسيقى، أوصت أن تشيع من قلب الدار التي طالما عشقتها و أعطتها عمرها؛ حيث أعلن المسئولون بالمركز الإعلامي بدار الأوبرا المصرية تشييع جنازة ''الدكتورة رتيبة'' من مسجد دار الأوبرا، ظهر الثلاثاء، تنفيذًا لوصيتها قبل رحيلها، ومن المقرر أن تقام لها احتفالية كنوع من أنواع التكريم لروحها خلال الأيام المقبلة بدار الأوبرا.