كتبت - دعاء الفولي:
محل ضيق لا يتعدى طوله وعرضه المتر الواحد، ضيقه لم يمنع صاحبه أن يعلق على بابه أدوات قد لا يعرف البعض إلا قليلاً منها؛ فهناك ''سِرج'' تم زخرفته باللونين الأزرق والأحمر ليبدو أجمل، وعلى الجهة اليمين من أعلى باب المحل توجد تلك اللافتة الصغيرة التي رُسم عليها صورة ''حصان''، وكُتب تحت الصورة ''المسابقة الدولية للخيول العربية والمصرية''.
''خالد حمودة''، صاحب ذلك المحل الصغير الذي يقع بمنطقة الغورية بمصر القديمة، والذي يبيع أدوات الخيل منذ ما يقرب من 70 عامًا أو أكثر، يبدو على المحل لأول وهلة أن حال العمل داخله قليل، إلا أن ''حمودة'' له ورشة أخرى بعد المحل بمسافة صغيرة إلى داخل إحدى الحارات بالمنطقة؛ وهي تضج بالعمال وفيها تُصنع كل الأدوات وهي المكان الأصلي للإنتاج وأما المحل فما هو إلا واجهة للزبائن الذين يلفت نظرهم الأشياء المعلقة على بابه.
''دي شغلانتنا أبًا عن جد، مينفعش حد يخش جديد فيها، لأن التصنيع بتاعها مش سهل''.. قالها ''حمودة'' عن صناعة أدوات الخيل والتي تتطلب، حسب قوله، عدة مراحل وتكون معظم المصنوعات من الجلد ''شغلنا كلو من الجلد الجاموسي الطبيعي، بيخش المدابغ يطلع منه حاجات كتير جدًا وفيه جزء منه بيستخدم للعلاج''.
الورش التي تصنع أدوات الخيول ليست كثيرة في مصر؛ فربما يوجد في القاهرة ورشتين وكذلك في الإسكندرية وبعض الورش في طنطا، كما أن المهنة ليست مستوردة بل معظم المواد الأصلية المستخدمة فيها مصرية، وهي الأفضل في التصنيع ''الجلد المصري أفضل من المستورد، أنا ممكن أشتغل في المستورد بس في الآخر المنتج اللي هيطلع هيبقى أقل جودة من المصري، بس في ناس عندها عقدة الخواجة فبتحب تجيب الجلد المستورد''، حسبما يرى ''حمودة''.
رغم أن تلك الصناعة تبدو كغيرها من الصناعات الجلدية إلا أن ''المهنة فيها فن وتقاليع، ومحتاجة تعليم، وبعد ما بنخلص الشغل بنطلع حتة شغل حلوة الواحد بينبسط منها وبتستحمل الحصان''، موضحًا أنها تحتاج لمن يحبها لأن التعامل مع الجلد والدبغ وغيرها أشياء قد لا يستسيغها الجميع.
أكثر الأدوات التي عليها الطلب هي ''سِرج الحصان''؛ فهو الأصعب في التصنيع ويحتاج وقتًا طويلاً إلى حد ما، لكي يتم إنجازه، كما أن أسعاره قد تصل إلى 1000 جنيه للواحد، حسب نوع الجلد والزخرفة والشكل، وهناك بعض الأشياء الأخرى التي تنتجها الصناعة مثل الأحزمة التي توضع على الخيول وبعض الزينة الأخرى التي توضع على فم الحصان لتعطي جمالا لشكله، على حد قول ''حمودة''.
لم تعرف عائلة ''حمودة'' مهنة غير تصنيع أدوات الخيول؛ فهو يعمل فيها منذ صغره مع والده الذي كان يعمل فيها مع والده والآن يعمل معه شقيقه وأولاده ''مبندخلش غريب في وسطينا''، كما أن تعليمها يبدأ للفرد من الصغر فيتشرب الصنعة ويعلمها لمن بعده، ورغم أن مؤهل ''حمودة'' الدراسي كان ''دبلوم صنايع''، إلا أنه لم يفكر في تغيير المهنة أو تركها لأنها بجانب كونها متوارثة فهي تُدر دخلاً لا بأس به.
''حال البلد'' هي الكلمة التي تبرر سبب تراجع البيع والشراء عن ذي قبل ''الحالة على الناس كلها مش علينا، لكن قبل كده كنا بنبيع ونكسب أكتر، وكان في عرب بييجوا يخدوا مننا حاجات، وكنا بندخل مسابقات بس عشان أحوال البلد واللي حاصل فالحالة تعبت شوية''.. هكذا روى ''حمود'' حال تجارته في ظل الظروف التي تشهدها البلاد.