كتبت - نوريهان سيف الدين:
قائمة ''كبار الزوار''.. الاسم الأنسب إطلاقه على بعض ''زنازين سجن طرة''؛ فالسجن المشدد المتصدر لقائمة سجون مصر العقابية، ضم بين ردهاته وحجراته - الفخم بعضها والكئيب - قائمة طويلة من كبار الشخصيات في مصر، بداية من ''الرئيس'' و''الوزير'' وحتى ''الجاسوس'' و''الحرامي''.
''سجن طرة''.. المعقل السياسي والجنائي وفقًا لما تذكره دوائر المعارف الإلكترونية، تأسس في عهد أبرز رؤساء وزراء مصر ''مصطفى باشا النحاس''، السياسي والبرلماني ورجل حزب الوفد الأول بعد رحيل ''سعد باشا زغلول''، أنشأه عندما كان يوما ما ''وزيرًا للداخلية'' عام 1928 في ظل ''حكومة الوفد''، وكان الهدف منه تخفيف العبء والازدحام داخل زنازين ''سجن أبو زعبل''، الأقدم والأشهر وقتها، ليتطور بعدها ''طرة'' ليضم ''سبعة سجون'' هي: ''المزرعة، ليمان طرة، استقبال طرة، محكوم طرة، مشدد طرة المعروف بسجن العقرب''.
''فندق 5 نجوم''.. قد يبدوا السجن هكذا حينما تعرف أن نخبة مختارة ممن نزلوا على ضيافة هذا السجن توجه لهم معاملة خاصة نظرًا لحساسيتهم، وتعقيد مواقفهم القانونية والعقابية؛ فحتى مع تغيير بنود قوانين العقوبات لتتحول العقوبة من ''الشغل''، أصبح السجن ''مشدد'' فقط.
وانتهى عهد ''تكسير الجبال'' كما صورته السينما والدراما قديمًا، لتتجه مصلحة السجون لتشغيل نزلائها في ''ورش إنتاجية'' تابعة لوزارة الداخلية، في حين يبقى بعض ''المرضي عليهم'' ينعمون بـ''إقامة سعيدة'' في ظل حراسة مشددة، بعيدًا عن انتقام الشعب منهم، بعد أن كانوا يومًا مصدرًا لشقائهم وسلب أموالهم، حسبما يرى الكثير من المصريين.
''الرئيس مبارك'' وولي عهده والمبشر بالتوريث - حسبما كان يعتقد الكثير - ''جمال مبارك'' وشقيقه ''علاء''، كانوا من أبرز من نزلوا على قائمة ضيافة هذا السجن، وبالرغم من مشاهدتهم على شاشات التليفزيون يرتدون ''البدلة البيضاء'' الخاصة بالنزلاء المستجدين، إلا أن الصحافة استطاعت اقتناص بعض المشاهد الداخلية لكواليس ''زنازين الحبس''، ونقل مشاهد كاملة لـ''مبارك'' أثناء ممارسته الرياضة وخضوعه للإشراف الطبي والعلاجي، وأيضًا استقبال نجليه لطاقم الدفاع المخصص لهم، وغيرها من الأمور البعيدة كل البعد عن مخيلة ''السجن والعقاب والخزي'' بعد ''خلعهم'' عن حكم مصر بعد ثورة 25 يناير.
''ابتسم.. أنت في سجن طرة''.. فهناك ستجد ''الإسلامي والشيوعي، اليميني المعتدل واليساري الثائر، الصحفي المناضل و الشيخ الداعي''، ستجد كل هؤلاء تجمعوا على ''نقد النظام''، ستجد ضمن تلك القائمة ''الشيخ عبد الحميد كشك''، الداعية الإسلامي الشهير، والمنتقد الأكبر لنظام حكم ''السادات'' خاصة بعد توقيعه الاتفاقية ومعاهدة السلام مع إسرائيل، ستجد أيضًا القائمة تتسع بعد اعتقالات 1981 لتشمل صحافيين وكُتاب رأي ونشطاء في الحقل العمالي والنقابي.
المرشحان للرئاسة ''أيمن نور'' و''عبد المنعم أبو الفتوح''.. كانا من ضمن نزلاء ''سجن طرة''، وأيضًا اليساري ''كمال خليل''، صاحب العمل النقابي العمالي، ستجد أيضًا الكاتب الصحفي ''مصطفى أمين'' وكذللك ''قادة جماعة الإخوان المسلمين''، إلى جانب المتهمون والمحكوم عليهم في قضايا فساد كبيرة مثل ''هشام طلعت مصطفى''، المحكوم عليه في مقتل ''سوزان تميم''، إلى جانب ''حسام أبو الفتوح''، صاحب توكيل السيارات.
كما ستجد داخل ''زنازين'' طرة، رجل الأعمال ''عاطف سلام''، المعروف إعلاميا بـ''حوت السكر''، المتهم في قضية احتكار السكر في الأسواق المصرية، إلا أن أشهر النزلاء في عهد ما قبل الثورة كان ''الجاسوس عزام عزام''، المتهم بالتخابر لصالح إسرائيل، والذي خصصت له إدارة السجن ''مكتب ضابط العنبر'' كزنزانة خاصة، وأحاطته بحراسة مشددة.
''ثورة يناير''.. كما قلبت موازين الحكم والقوة على مستوى الشارع، أيضًا قلبت موازين ''الضيافة'' داخل ''سجن طرة''؛ فأصبح نجوم النظام القديم هم أهم نزلاء المكان بعد أوامر التحفظ والقبض عليهم تمهيدًا لمحاكمتهم، وبجانب ''مبارك و نجليه'' جاء إلى السجن عددًا من رجال نظامه على رأسهم :''أحمد نظيف، فتحي سرور، صفوت الشريف، أحمد عز، حبيب العادلي، المغربي، جرانة، محمد إبراهيم سليمان''، وتتنوع الاتهامات الموجهة إلى هؤلاء المسؤولين بين الفساد والرشوة واستغلال النفوذ، وتسهيل الاستيلاء على المال العام وقتل المتظاهرين سلميًا.
القائمة لم تتوقف عن استقبال جدد؛ فبعد تظاهرات 30 يونيو المطالبة برحيل ''مرسي'' عن الرئاسة ومحاكمة كوادر ''الإخوان المسلمين'' بتهمة التآمر وإفساد الحكم وتعطيل مسار الثورة، نزل على نفس القائمة ''الدكتور محمد مرسي'' بعد أيام من التحفظ عليه بواسطة الجيش، ليصبح الرئيس المتهم بالهروب من ''سجن النطرون'' مرورا بـ''قصر الاتحادية''، وصولاً إلى ''سجن طرة''.