كتبت - نوريهان سيف الدين:
لا يعرف عنه الجيل الحالي سوى أنه ''شخص تسمى أحد شوارع حي المهندسين على اسمه''، وقد يكون أقصى معلومات عنه أنه استشهد أثناء ''حرب فلسطين 48''، إلا أن كثير من جوانب حياة هذه الشخصية ظل طي الكتمان، ولكن التاريخ أنصفه بأنه كان دائمًا ''بطلاً'' مجاهدًا في سبيل دينه ووطنه، اتخذ من ''النمر'' شعارًا له، ولم يشاهد أحدًا صورته إلا بعد استشهاده.
''البطل أحمد عبد العزيز''.. أحد رجال العسكرية المصرية أواسط القرن الماضي، مثل عدد لا بأس به من رجال العسكرية المصرية القديمة، ولد ''أحمد محمد عبد العزيز'' لأب يعمل بالجيش المصري بالسودان، مثله كمثل ''اللواء نجيب''، الميلاد كان في 29 يوليو 1902.
كانت طفولته المبكرة في ''الخرطوم''؛ حيث كان والده ''محمد عبد العزيز باشا'' يعمل ضابطًا بالجيش برتبة ''أميرلاي - عميد''، و كان قائدًا للكتيبة الثامنة بالجيش المصري هناك، حتى عاد قبيل اندلاع ثورة 1919، وكان له موقفًا وطنيًا مشرفًا حين امتنع عن تنفيذ أوامر الحاكم العسكري الإنجليزي بالتصدي لمظاهرات المصريين، وسمح لجنوده بالانضمام لصفوف الشعب تأييدًا لمطالب الجماهير الوطنية، مما كلفه ''الفصل من الجيش'' بعد غضب الإنجليز عليه.
في هذه الفترة كان عمر ''الصبي أحمد'' لا يتجاوز 12 عامًا، وشارك في المظاهرات مع جموع الشعب المصري، وتفتحت عينيه على مطالب الحياة السياسية، كما تغذى على عقيدة الدفاع عن الوطن من والده الرجل العسكري، حتى أنهم اتهموه بقتل''ضابط إنجليزي'' وكان عمره وقتها 26 عامًا، إلا أنهم أفرجوا عنه وسافر للعمل بالمنصورة.
التحق ''أحمد عبد العزيز'' بعدها بالكلية الحربية وتحديدًا ''سلاح الفرسان''، وعقب تخرجه عمل مدرسًا لمادة ''التاريخ الحربي'' بالكلية، وفي هذه الأثناء كانت صحراء مصر الغربية إحدى ساحات القتال العالمي بين قوات المحور بقيادة ''النازي هتلر''، وقوات الحلفاء، والتي كانت''بريطانيا العظمى'' أحد أركانها، ووضع الجيش المصري رهن طلبها استعدادًا لدخول الحرب في أي وقت.
بعد أن وضعت الحرب أوزارها، لم تهنأ الدول العربية، واستيقظت على فاجعة ''تقسيم فلسطين لمناطق عربية ويهودية'' و''تدويل القدس''، وجيشت الشعوب العربية والإسلامية أبنائها رغبة منهم للمشاركة في الحرب المقدسة بين ''عصابات اليهود'' المحتلة لبلاد ''الأقصى الشريف'' والأرض العربية الغالية، وكان حينها ''القايمقام/ العقيد أحمد عبد العزيز'' لا يزال عاملاً بالقوات المسلحة المصرية.
بانتشار دعوات الجهاد، بدأ ''العقيد أحمد'' جمع الفدائيين وبعض أفراد الجيش لتدريبهم في وحدة عسكرية كانت تابعة للجيش الإنجليزي على طريق ''مصر - الإسماعيلية'' الصحراوي (الهايكستب حاليًا)، ورأى أن التقاعد هو الحل الأمثل للتحرك بحرية دون الالتزام بتوجيهات القيادة العليا للجيش، فضلاً عن أن الدولة خيرته بين العمل التطوعي أو العمل ضمن سياق''الجيش المصري''، فاختار التقاعد على رتبة''عقيد''، وجمع السلاح من مخلفات الحرب العالمية وأسلحة الأفراد، وسافر إلى ''فلسطين'' في 1948 بالتزامن مع دخول الجيش المصري لهناك.
استطاع ''البطل أحمد عبد العزيز'' الوصول إلى نقاط في عمق الأراضي الفلسطينية المغتصبة، ومحاربة العصابات الصهيونية و تكبيدها خسائر فادحة، حتى أنه تفوق بكتيبته من الفدائيين على الجيش المصري''الأكثر تنظيمًا'' والجيش الأردني ''الأكثر عددًا''.
إلا أن ثمة معركة فاصلة بين العرب والعصابات الصهيونية قلبت الميزان، وتحول فيها التقدم العربي إلى تقهقر وخسائر مؤلمة، بعد أن ذاع خبر انتصار الفدائيين في''قرية صور باهر'' بالقرب من ''بيت لحم'' بالضفة الغربية، وخروجهم لجمع الغنائم، ونمى لدى العصابات هذه الأخبار فحاصروا الفدائيين وأمطروهم بوابل من الطلقات، وكان موقفًا شبيهًا لـ''غزوة أحد'' ومخالفة ''الرماة'' لأوامر الرسول بالبقاء فوق الجبل وعدم النزول لجني الغنائم.
قبول الدول العربية لـ''قرار الهدنة'' كان أمرًا هامًا وفاصلاً في تاريخ الحرب، وأُجبر ''البطل أحمد عبد العزيز'' على عدم التحرك، و استغلت العصابات الصهيونية المسلحة هذا القرار في دعم صفوفها وتسليحها، وقطعت الطريق على نقطة تمركز ''الجيش'' و الإمدادات الواصلة له، وكان ''أحمد عبد العزيز'' هو المنقذ للموقف بأن حاصر القوات الصهيونية واستطاع تخليص القوات المصرية هناك.
صباح 22 أغسطس 1948، دعى ''البطل أحمد عبد العزيز'' لاجتماع بمقر القنصلية البريطانية للتوقيع على قرار الهدنة، إلا أنه حتى رفض الجلوس مع ''موشيه ديان'' على نفس الطاولة، أو أن يتنازل للصهاينة عن بعض المواقع، وقرر الاتجاه إلى ''غزة''؛ حيث مقر قيادة الجيش المصري، وفي الطريق مر بقرية كانت تحت سيطرة القوات العربية ومستهدفة من اليهود، وظنوا أن سيارته تابعة لعصابات الصهاينة فأطلقوا عليها الرصاص، واستشهد''البطل أحمد عبد العزيز'' فجر 23 أغسطس 1948.
دفن ''البطل'' في ''قبة راحيل'' ببلدة ''بيت لحم'' برفقة 3 آخرين استشهدوا معه، وتحولت مقبرته إلى ''نصب تذكاري أحاطته قوات الاحتلال بأسلاك شائكة، ويعد النصب ''المسلة التذكارية''، أحد أعمق النقاط التي وصل إليها ''البطل أحمد عبد العزيز''، ضمن القوات العربية الداخلة في ''حرب 48''، ولم يتبق في مصر تكريمًا له سوى إطلاق اسمه على بعض المدارس والشوارع في القاهرة و المحافظات بلغت 11 مدرسة و7 شوارع أشهرها ذلك الموجود بحي المهندسين بالجيزة، فضلاً عن 3 مدارس داخل فلسطين في البلدة التي استشهد فيها.