كتبت - دعاء الفولي:
جموع غفيرة تعرف هتافاتها جيدًا؛ تهتف بسقوط النظام ورئيسه، غضبها ملأ أرجاء الميدان طيلة ثمانية عشر يومًا، وملأ روحها من ثلاثين عاما أو أكثر، وفي يوم الجمعة 11 فبراير 2011 كانت القلوب لدى الحناجر؛ فأعداد الشهداء قد وصلت للمئات وأعداد المصابين للآلاف ولازال النظام يكافح ليبقى ولازالت الناس في المقابل تكافح لتتحرر.
''الشعب خلاص أسقط النظام''
''قرر الرئيس محمد حسني مبارك تخليه عن رئاسة الجمهورية''.. كلمات كانت كالمنقذ؛ فما إن قالها نائب الرئيس وقتها اللواء ''عمر سليمان''، حتى كانت ''زغاريد'' الفرح وصيحات الانتصار تسبقها وكان هتاف ''الشعب خلاص أسقط النظام'' هو المسيطر في ذلك الوقت.
أصبح ''مبارك'' فيما بعد أيقونة للرئيس الذي عزله شعبه عن طريق ثورة سلمية في مدة قصيرة نسبة لبعض الدول العربية الأخرى، لكن ذلك لم يكن كل شيء؛ فبمجرد خروجه من الحكم بدأت رحلة ''مبارك'' مع التحقيقات والسجن ثم إخلاء السبيل.
رحلة التحقيقات
في العاشر من أبريل لعام 2011 أمر النائب العام باستدعاء ''مبارك'' للتحقيق معه بشأن قتل المتظاهرين بالإضافة لنجليه بسبب استغلال نفوذهم بعد أن تم منعهم من السفر، وفي منتصف شهر مايو أمر النائب العام بتحويله للجنايات بسبب قتل المتظاهرين وقضايا فساد مالي.
''نعم يا فندم.. أنا موجود''.. في قفص الاتهام قالها ''مبارك'' لأول مرة، إذ أن دخوله القفص في حد ذاته انتصار آخر يضاف لثورة 25 يناير، وكان ذلك في الأول من أغسطس لعام 2011؛ حيث بدأت المحاكمة والتحقيقات التي ستستمر بعد ذلك لوقت طويل.
''طنطاوي ..عمر سليمان.. منصور العيسوي.. سامي عنان'' وغيرهم؛ أسماء كانت شهاداتها ذات أهمية خاصة أثناء محاكمة مبارك، فرغم أن إدلاءاتهم كانت معظمها سرية نتيجة منع البث التليفزيوني للمحاكمة بأمر من القاضي ''أحمد رفعت''، إلا أن بعض التسريبات قالت إن المشير السابق ''طنطاوي'' شهد أن ''مبارك'' لم يأمر بقتل المتظاهرين.
حكمت المحكمة
45 جلسة هي عدد الجلسات التي احتاجتها قضايا ''مبارك'' ليصدر الحكم عليه في الأول من يونيو 2012 بالسجن المؤبد، ويتم نقله بعد ذلك لسجن طرة لتنفيذ الحكم.
داخل السجن لم يبتعد ''مبارك'' كثيرًا عن عين الأحداث، بين الحين والآخر كان يظهر مستلقيًا على ''النقالة'' مرتديًا النظارة الشمسية ولا يبدو على وجهه أي تعبيرات، وأصبح بعد ذلك حديث الإعلام من الحين للآخر؛ فتارة تظهر بعض الإشاعات التي تقول إنه مات، وتارة تظهر إشاعات أخرى تقول أنه ليس في محبسه، ولكن الأكثر لفتًا للأنظار كان عندما حصلت وسائل الإعلام على أول تصريح منه قائلاً عن الإخوان المسلمين الذي كانوا في الحكم ''هما اللي اختاروهم''، ومؤكدا أنه لو أراد الاستمرار في الحكم لاستمر ولكنه فضل التنحي.
أثناء تلك الملابسات لم يأتل ''فريد الديب'' محامي الرئيس الأسبق ''مبارك'' جهدًا ليحاول الدفاع عنه.
بداية النهاية
لم يكن أحد يتوقع أنه بعد الثورة التي قامت في يناير 2011 سيأتي يناير 2013 ليتم إلغاء جميع الأحكام الصادرة بخصوص قضايا ''مبارك'' الذي قامت الثورة لإبعاده عن سدة الحكم.
قبلت محكمة النقض الطعن المقدم من هيئة الدفاع عن ''مبارك'' والعادلي بخصوص القضايا، وتم إلغاء جميع الأحكام الصادرة بالبراءة والإدانة في يناير المنصرم.
لم ينته الأمر عند ذلك؛ حيث أنه في أبريل من هذا العام تم حبس ''مبارك'' على ذمة التحقيق مرة أخرى في قضية تُدعى ''القصور الرئاسية'' والتي اتهم فيها بالاستيلاء على المال العام، وفي نفس الشهر بدأت مشاهد محاكمة مبارك ووزير داخليته بقتل المتظاهرين تُعاد مرة أخرى بعد عامين تقريبًا من المحاكمة الأولى.
في يونيو 2013، قام النائب العام بإحالة مبارك ونجليه مرة أخرى للجنايات لاتهامهم بالاستيلاء على المال العام وذلك لتقوم جنايات القاهرة في أغسطس الماضي، بإخلاء سبيله ومن قبله نجليه في قضية ''قصور الرئاسة'' وقضية ''هدايا الأهرام'' بعد ذلك بثلاثة أيام.
النهاية لازالت غامضة من وجهة نظر الكثيرين؛ فالتحفظ على ''مبارك'' في الإقامة الجبرية وإن كان أفضل من إطلاق سراحه على حد قول البعض؛ إلا أنه لم يشف صدور كثيرين من الذين أصابتهم الدهشة والغضب جراء إخلاء سبيله، خاصة وأن ذلك تنافى مع روح ثورة يناير الأولى ومظاهرات 30 يونيو الأخيرة التي نجحت في عزل ''مرسي'' من قبل.