كتبت - إشراق أحمد:
من بين طابور طويل لملامح تكاد تتشابه يختاره القدر؛ فيترك الشاب العشريني مسكنه والمحافظة؛ موطن ولادته ويرتدي ''بدلة'' سوداء ''ميري''، ويحمل ''مِخلة'' كما يعلمونه اسمها أو تلك الحقيبة الصغيرة التي تضم أغراضه، ليتم توزيعه على معسكرات وأماكن يقبع بها حتى انقضاء المدة.
ربما لا يعرف معلومات تفصيلة عن مدته خدمته، لكن الأوامر وأداء الواجب يلزمه بذلك، لا خيار له في مكان آمن أو ملتهب بالاشتباك والصراع الذي ربما لا يعلم عنه شيء سوى أن لابد له من التواجد لتنفيذ المهمة التي جاء من أجلها''الأمن''.
''عبد الودود'' كما عُرف من قصيدة ''رسالة إلى الحدود'' للشاعر ''أحمد فؤاد نجم'' التي تغنى بها الشيخ ''إمام''؛ فبات الشاب الأسمر بسيط الحال الوافد في الغالب من قرى مصر، والذي لا حول له ولا قوة إزاء الأوامر هو وصف ''المجند'' أينما كان.
كما أصبح يُضاف لأوصافه المزيد دون الاكتفاء بلفظ ''الدُفعة''؛ فالبعض اعتبرهم ''كبش الفداء''، وآخرون موطن استهداف لكل خطر.
وربما لا يختلف حال ''المجند'' من مكان لآخر إلا في نسبة الخطر التي يتعرض لها، لكن مؤخرًا لم يعد هناك اختلاف على احتفاظ منطقة ''رفح'' بأعلى معدلات ذلك الخطر؛ فخلال عام شهدت 3 حوادث كبرى، اثنين منهم حصيلتهما مقتل عشرات المجندين، والأخرى اختطاف لكن انتهى بعودة آمنة.
''ميكروباص'' رفح
وهو الأخير زمنيًا؛ حيث وقع، صباح الإثنين، في حوالي الساعة السابعة والربع، كما أفادت تقارير وزارة الداخلية، سقط 25 مجندًا قتلى على طريق منطقة''أبو طويلة'' قبل 7 كيلو مترات من الوصول إلى مقر قطاع الأمن المركزي برفح، وفقًا لبيان ''الداخلية''.
سيارتان ''ميكروباص'' حملتا الـ27 مجندًا العائدين من إجازاتهم إلى معسكر الخدمة العسكرية، التي تصادف أن جميعهم في طريقهم لإنهائها والحصول على إخلاء طرف، غير أن مسلحين هاجموا السيارتين، وأطلقوا علي المجندين الرصاص بعد إجبارهم على الترجل من السيارات، ليلقى 25 مصرعهم، بينما أصيب إثنان، حسب تصريحات ''الداخلية''.
''إدانة ومطالبة بفتح التحقيق، مطالبة بسرعة القبض على الجناة، حداد رسمي ثلاثة أيام''.. رد الفعل الذي صاحب الحادث، مع أصوات تعتبره ردًا على مقتل 36 معتقلاً أثناء ترحيلهم لسجن ''أبو زعبل'' في اليوم السابق للحادث، وأخرى على النقيض تعتبره تغطية على ذلك الحادث، بينما تظل دموع الأهالي على رحيل أبنائها أثناء وبعد الجنازة العسكرية، التي أقيمت في مطار''ألماظة'' هي الحقيقة المؤكدة، والتي لن تهدأ إلا بالقصاص لهم.
ولم يقتصر رد فعل الأهالي هذه المرة على النحيب بل شهد غضب صاحبه عنف؛ فالمنوفية شهدت تحطيم محال وممتلكات خاصة لأشخاص ينتمون لـ''جماعة الإخوان المسلمين''، بعد أن تواردت الاتهامات غير المؤكدة بتورطها في الحادث، بينما ساد الهتاف ورفع اللافتات المطالبة بعدم الحزن على ''شهيد'' زهق روحه فداء الوطن كقرية الشهداء بالمنوفية.
الجنود السبعة وعودة ''آمنة''
وقبل شهور قليلة وتحديدًا في 16 مايو الماضي، كانت البداية مع فيديو انتشر لأشخاص معصوبي العينين قالوا إنهم جنود ومخطوفين وطالبوا بسرعة تدخل''مرسي''، رئيس الجمهورية آنذاك، وتلبية مطالب الخاطفين بالإفراج عن المعتقلين السياسيين من سيناء، ليأتي التأكيد بإعلان السلطات الأمنية عن اختطاف 7 جنود مصريين من مدينة العريش كانوا في طريقهم من مدينة رفح المصرية على الحدود مع قطاع غزة إلى سيناء لقضاء العطلة.
وعلى إثر ذلك قام زملاء الجنود في معبر رفح بغلقه حتى 22 مايو؛ حيث عاد الجنود دون أن يمسهم سوء وبلا اشتباك مع الخاطفين، رغم العملية التي أُعلن عنها حينها وعُرفت إعلاميًا بـ''نسر'' و''سيناء'' لكن التأكيد جاء بأن الإفراج عن المخطوفين جاء نتيجة المفاوضات.
وحتى شهر يوليو الماضي كانت التصريحات بالكشف عن كافة ملابسات الحادث، وأن العمليات العسكرية تمكنت من مداهمة بؤر إجرامية وتدمير أوكار وإلقاء القبض على عدد من العناصر والتحقيق معههم، لكن لم يفصح عن هويتهم أو العقوبة التي لحقت بهم.
وأثناء حضور إجراءات تفتيش على الفرقة التاسعة المدرعة التابعة للمنطقة العسكرية المركزية، مايو الماضي، قال ''السيسي'' عن مرتكبي الحادث: '' لن يعيشوا ثانية واحدة لو تم تحديد هويتهم؛ فهذه القضية تحتاج بعض الوقت لجمع الأدلة حتى يتم تحديد الجاني بوضوح''، لكن الأنباء حتى الآن لم تفيد إلا بمقتل 6 أشخاص من المتورطين في قتل الجنود خلال مداهمة بؤر إجرامية هذا الشهر.
بينما جاءت تصريحات الشهر الجاري بالإعلان عن نتائج التحقيقات الخاصة وأنه تم مقتل 6 من المتورطين في وخطف الجنود السبعة وقتل آخرين أثناء عمليات مداهمة عدد من الأماكن بسيناء لكن أيضًا، لم يتم الإفصاح عن هوية تلك العناصر.
صيام وطلقات غادرة وقصاص غائب
وفي مثل هذا الشهر منذ عام وتحديدًا 5 أغسطس 2012؛ حيث كان يصادف هجريًا شهر رمضان، وأثناء الإفطار تعرضت نقطة تابعة لقوات حرس الحدود قرب معبر''كرم أبو سالم''، بمنطقة رفح شمال سيناء، إلى هجوم مسلح، ليسقط 16 جنديًا، في مشهد وصفه البعض بأنه ''رصاص الغدر'' الذي طال جنود الحدود.
الحادث الذي نفاه في بادئ الأمر المتحدث العسكري للقوات المسلحة أركان حرب أحمد محمد على المتحدث، والذي قال البعض أنه السبب في إقالة المشير حسين طنطاوي، وزير الدفاع وقتها، والفريق سامي عنان، رئيس الأركان، وتولى الفريق عبد الفتاح السيسي، الذي كان يشغل منصب مدير المخابرات الحربية وقتها، منصب وزير الدفاع والإنتاج الحربي خلفًا لـ''طنطاوي''.
ليأتي ذلك الحادث مصاحبًا للأجواء ذاتها، الجنازة العسكرية وإعلان الحداد، والتنديد والمطالبة بلجنة تحقيق عاجلة وكذلك سرعة إلقاء القبض على مرتكبي الحادث والإعلان عنهم، لكن لم يحدث ذلك رغم التصريحات سواء من قِبل''محمد مرسي'' أثناء وجوده بالسلطة، أو ''السيسي''، الذي أعلن في تصريحات له بعد عزل الأول من سدة الحكم أنه سيتم الإعلان عن مرتكبي الحادث.
وكحال جميع الحوادث تنتهي تاركة جثث واراها التراب، وأصوات تنتحب ويدمى قلبها فراق عزيز لها؛ فيصرخ الرجل المسن، والد ''عفيفي سعيد عفيفي''، بعد خبر مقتل ابنه، المجند برفح، في حديث لإحدى القنوات الفضائية'' بناشد وزير الداخلية والفريق عبد الفتاح السيسي مليون مرة حق ابني يجي عشان ابني أنا مربيه بدم قلبي''.