كتبت - نوريهان سيف الدين:
لأكثر من نصف قرن، وقفت ''الفلاحة المصرية'' تنظر للمستقبل في حماية ''أبو الهول'' رمز الحضارة، في مشهد صور إصرار وعزيمة الإرادة المصرية، مشهد جسده النحات المصري العالمي ''محمود مختار''، مطلع القرن العشرين، ليشير إلى ''شخصية مصر الحديثة'' بين النظرة للمستقبل وصمود الماضي.
''تمثال نهضة مصر''.. أحد أهم تماثيل ميادين مصر، ويأتي الثاني في شهرته بعد ''تمثال رمسيس الثاني''، والذي ظل هو الآخر سنوات واقفًا أمام ''نافورة باب الحديد'' في الميدان الواسع أمام ''محطة مصر'' بميدان رمسيس، قبل أن ينقل للمتحف المصري الحديث بالجيزة، إلا أن ''تمثال نهضة مصر'' ظل واقفًا بميدانه الشهير أمام ''حديقة الحيوان'' بالجيزة ومقابلا لـ ''جامعة القاهرة'' العريقة منذ عام 1955.
التمثال ظل صامدًا لما يقارب الشهرين وسط اعتصام أنصار الرئيس السابق ''الدكتور مرسي''، واستمدوا من اسم التمثال والميدان ''النهضة'' مرادفًا لمشروع الرئيس ''مشروع النهضة''، إلا أن بعضهم وأثناء فترة الاعتصام قاموا بتشويه معالم التمثال وقاعدته الحجرية الكبيرة، من خلال الكتابة عليها بعبارات تطالب بإعادة شرعية الرئيس المعزول، و رحيل حكم العسكر، ومحاكمة ''السيسي''.
بعد عملية ''فض الاعتصامات'' التي طالت ميداني ''النهضة'' و''رابعة العدوية''، قامت مجموعة متخصصة تابعة لشركة ''المقاولون العرب'' بعملية إزالة التشوية الذي طال التمثال وقاعدته، مثل مسح الكتابات وإزالة الملصقات وتلميع التمثال، ليظهر في صورته القديمة التي تعود عليها المارة خلال هذا الميدان.
''تمثال نهضة مصر'' الذي شارك الشعب المصري في الاكتتاب العام لإقامته في الميادين المصرية، نحته المثّال المصري ''محمود مختار'' في الفترة من عام 1917 وحتى 1919، وهي الفترة التي صاحبت تطورًا فريدًا في الشخصية المصرية، وبلورة القضية السياسية المطالبة بالاستقلال ورحيل الاحتلال الإنجليزي للبلاد، وقيام ''ثورة 1919''، وكشف عنه النقاب لأول مرة في معرض للفنون الجميلة بباريس عام 1920.
التمثال المعروض حينها لم يكن حجمه يبلغ أكثر من حجم التمثال المعروض حاليًا، إلا أنه وخلال زيارة الزعيم المصري ''سعد زغلول'' والوفد المصري لعرض قضية استقلال مصر على مؤتمرات الصلح بباريس، شاهدوا التمثال وأعجبوا به، واتفقوا أن يكون ''أيقونة مصرية'' تعبر عن مصر الحديثة، و برجوعهم للوطن، أوصوا الحكومة ليقام في ميدان مصري، وبالفعل توافق ''الوزارة المصرية'' في 25 يونيو 1921 على طلب ''سعد باشا'' ورفاقه.
''اكتتاب عام'' شارك فيه عدد كبير من أبناء الشعب المصري لنحت التمثال الجديد، وساهمت الحكومة في جزء من التكاليف، ومن خلال ورشة ''مختار'' استمر العمل فيه ليخرج للنور في احتفال مهيب بميدان ''باب الحديد - رمسيس حاليًا'' في 20 مايو 1928، واستمر في مكانه قبل أن ينقل أمام ''جامعة القاهرة'' و يحل محله بالميدان القديم ''تمثال رمسيس الثاني''.