كتبت - إشراق أحمد:
كوبري مشاة حديدي فاصل بين بيوت المنطقة الواحدة؛ تتشابه الأحوال بل ووجوه السكان وأبنائهم الذين يضطر بعضهم السير فوق شريط صخري بمحاذاة البيوت للوصول إلى الكوبري، الذي يعتلى الطريق السريع بمنطقة ''الساحة الشعبية'' في منطقة ''الفسطاط'' بمصر القديمة.
وبين هذا الكوبري العلوي،؛ حيث تمر السيارات سريعًا بالأسفل، جلس ''علي'' تحت مظلة كبيرة على ''برميل'' بلاستيكي؛ تتدلى أرجله الصغيرة كعمره البالغ 11عامًا، ينتظر اقتراب موعد الإفطار ليعود إلى منزله عابرًا ذلك الكوبري، يعمل ''علي'' من الصباح الباكر وحتى قبل الإفطار بقليل مع صاحب المائدة التي يجلس خلفها يبيع ''العرقسوس'' لأهالي المنطقة.
كلمات قليلة هادئة تأتي بصوت منخفض يغالبه صوت مرور السيارات أسفل الكوبري، هو حال حديث ''علي'' الذي ينتهز فرصة إجازة من المدرسة وتوافق مجيء شهر رمضان معها للعمل ''بشتغل في رمضان''.
''علي'' لا يصوم جميع أيام الشهر لكنه حريص على أداء الصلاة خاصة ''التراويح''؛ فهي أكثر شيء يحبه ويفضله في رمضان ''مش صايم النهاردة لكن كنت بصوم أيام تانية، بحب في رمضان الصلاة وكده''، مؤكدًا بإيماءة رأسه ''بصلي كل يوم''.
ومع حرارة الجو المرتفعة التي بدت إرهاقها له إلى جانب طول فترة بقائه بالشارع والتي ظهرت آثارها بقدميه وملابسه؛ حيث كساها التراب، إلا أن الأخ الأكبر بين ثلاثة آخرين لم يبدِ ضيقًا من جلوسه فوق الكوبري.
''علي'' من الأطفال الذين لا يبادروا بالحديث بل تأتي كلماته محددة وفقًا للسؤال، وكثيرًا يغلب عليها الإيماءة إلا عندما تطرق الموضوع للمدرسة والتعليم، بدا عليه الرغبة في الحديث وزادت الكلمات عن السابق؛ فلم يخجل أو يؤكد على نفسه صفة أنه ''شاطر'' في المدرسة بل سريعًا قال ''مش قوي'' ليضيف: '' بحب المذاكرة وكل حاجة بس المدرسين مش كويسين''، وأكثر ما يحب ''علي'' دراسته بالمدرسة هو اللغة الإنجليزية.
''أي حاجة''.. تلك كانت الإجابة المرضية لـ ''علي''، القابع تحت شمس الظهيرة، لا تخفف عنه سوى قطرات بردة إنائي ''العرقسوس'' الموضوعان على المائدة الحديدية أمامه، فما يتمنى أن يكون عليه عندما يكبر ''أي حاجة، دكتور ظابط أي حاجة''، كما أن المنطقة التي يسكن بها ''علي'' تراها عينه ''حلوة'' لا تحتاج لتغيير ''مفيش أي حاجة نفسي تتغير''.