كتبت - دعاء الفولي:
كانت الشمس تلقي بظلالها على الجموع السائرة؛ تتعانق حرارتها الخفيفة مع هتافاتهم المتصاعدة ضد الظلم، كان الوقت شتاءً؛ تحديدًا في الخامس والعشرين من يناير للعام 2011، خرج ملايين المصريين في جميع ربوع مصر، واضعين حيواتهم على أكفتهم بسبب القمع المنهجي الذي استعملته الشرطة المصرية مع المعارضين.
البداية
الشرطة في ثورة 25 يناير كانت كمحرك السيارة بالنسبة للثورة بسبب أفاعيلها ضد المواطن المصري بشكل عام؛ كحادثة قتل ''خالد سعيد''، ومن بعدها حادثة ''سيد بلال''؛ حتى أن المتظاهرين اختاروا يوم 25 يناير لأنه يوم عيد الشرطة المصرية، ولكون الجهاز تابع لنظام اعتاد القمع؛ فكان القمع أيضًا هو سيد الموقف في تظاهرات 25 يناير، وحتى انسحاب الشرطة من الشوارع يوم ''جمعة الغضب'' 28 يناير.
بدأت الأمور بعد نجاح الثورة تعود لطبيعتها في الشارع إلا شيء واحد وهو الأمن؛ وظل الحال كذلك لأشهر ولو قليلة، حتى بدأت الشرطة تعود مرة أخرى في حكم المجلس العسكري، لكن الأمور لم تعود إلى سيرتها الأولى؛ فالكثير من الضباط بدأوا في التظاهر بسبب خوفهم من العودة للشارع وطلبهم للضمانات لحمايتهم، وأصبح وجود الشرطة في الشارع كبير، لكن دون وجود أمن كافي كما كان قبل الثورة، ثم جاءت فترة حكم ''محمد مرسي''.
عهد جديد
''من يرتكب الجريمة يعاقب عليها بالقانون، أما رجال الشرطة الشرفاء وهم الأغلبية الغالبة من الشرطة هؤلاء لهم علي حق التحية الواجبة''.. تلك الكلمات جاءت في الخطاب الأول للرئيس السابق ''مرسي''، عقب توليه الحكم في 30 يونيو 2012؛ حيث أكد مرارًا تقبله لرجال الشرطة ومحاولته لإدماجهم في المجتمع مرة أخرى، ورفع العدوات بينهم وبين الناس، وأثناء ذلك كان هناك العديد من ضباط الشرطة المحتجزين على ذمة قضايا خاصة بقتل المتظاهرين وتهريب المسجونين من الأقسام.
مهرجان البراءة للجميع
البراءات انهالت على ضباط الشرطة المحتجزين في عام 2013؛ حيث تم تبرئة معظمهم من تهم قتل المتظاهرين في ''بني سويف والسيدة زينب والقليوبية والسويس والغربية والمرج والزاوية الحمراء''، مما أثار حفيظة بعض أهالي المصابين والشهداء الذين قاموا بعمل عدة احتجاجات بسبب ''مهرجان البراءة للجميع'' على حد وصفهم.
رغم البراءات إلا أن المنظمات الحقوقية كان لها رأي آخر في الشرطة؛ فطبقًا لشهادة 23 منظمة حقوقية مصرية فإن الشرطة في عهد ''مرسي'' آدائها ظل ضعيف من جهة حفظ الأمن، كما أكدت المنظمات في مؤتمر بعنوان ''الشرطة في عهد مرسي'' أن الشرطة لا تزال تنتهج نظام القمع للتعامل مع المواطنين في أحيان كثيرة؛ إذ رصدت 14 حالة تعذيب في أقسام الشرطة، فضلاً عن محاولات الشرطة المضنية للعودة للتدخل في الحياة السياسية عن طريق استصدار قوانين قد تضيق مساحة الحريات مثل قانون حماية مكتسبات الثورة.
حالة من عدم الرضا والسخط كانت بين ضباط الشرطة؛ فكانوا يخرجون في احتجاجات عديدة في عهد ''مرسي''؛ منها اعتصام الضباط الملتحين، للمطالبة بعودتهم للعمل، وتظاهرات ''الأمناء'' لتحسين العائدات الصحية في الجهاز وغيرها.
تغير مفاجئ
تلك الاحتجاجات من قبل الضباط لم تكن إلا مؤشرًا لتغير موقفهم من المظاهرات قبيل أحداث ''30 يونيو'' بطريقة لافتة؛ فعندما بدأت الأحداث تتسارع نحو عزل الرئيس ''مرسي''، أبدت الشرطة المصرية من خلال تصريحات لها في وسائل الإعلام أن الشرطة تبارك التظاهرات وتعمل على حمايتها، وأن ''30 يونيو'' سيكون يوم عيد الشرطة الجديد؛ تأكيدًا على نية الشرطة في مصالحة الشعب، وظهر ذلك جليًا في التظاهرات التي حُمل فيها ضباط الشرطة على ''الأعناق''، وهتفوا مع الذين هتفوا لإسقاط نظام ''مرسي''، ولذلك فقد أبدى العديد من الناس تعجبهم من أسباب ذلك؛ ''هل هي محاولات للمصالحة مع الشعب، أم خوف من جانب الشرطة لحدوث ما حدث في ثورة يناير؛ فدخلت في صف الجماهير اتقاءً لذلك''.
تحليل نفسي
قال ''أحمد عبد الله''، دكتور الطب النفسي بجامعة الزقازيق، إن سبب تغير الشرطة من مظاهرات 25 يناير وما بعدها إلى تظاهرات 30 يونيو، ليس له علاقة بتغير الشرطة نفسها، ولكن له علاقة بالمصلحة، مضيفًا:'' الشرطة تتعامل بمبدأ الأصلح لها وتتعمد التفرقة بين نوعين من التظاهرات، فتقوم بتوزيع ''الشيكولاتة'' والمياه في أحدها، وتتعامل مع التظاهرات الأخرى الموجودة في نفس الوقت بطريقة سيئة''، على حد قوله.
وأضاف ''عبد الله'' أن ''الدولة بقت بتتعامل مع المواطنين بطريقة التفريق ما بينهم، زي الأب اللي عنده ولدين، طول الوقت يقول لولد منهم أنت ولد كويس ويديله حاجات حلوة، والولد التاني بيقوله أنت وحش علطول، وده أحد الأسباب اللي بتفرق ما بين المواطنين''، موضحًا أن تركيبة المتظاهرين في ''30 يونيو'' كانت أكثر تنوعًا واختلافًا عن تلك التي كانت موجودة من قبل في ميدان التحرير، والتي لم تكن تسمح لرجل الشرطة أن يشارك في أي شيء داخل الميدان، كما أن المواطن لن يستطع أن يتعامل بعنف أمام شرطي ينزل ليرقص معه وسط الميدان أو يعامله بشكل جيد، على حد قوله.
''الشرطة زي ما هي متغيرتش''.. قالها ''أحمد عبد الله''، دكتور الطب النفسي بجامعة الزقازيق، مشيرًا إلى أن الرئيس السابق ''مرسي'' لم يكن يحكم الشرطة، فما زالت القيادات الشرطية لم تتغير ومازالت العقيدة والفلسفة الشرطية التي يتم تلقينها للضباط في الأكاديمية والتي تقوم على أن ''الناس لتركبهم ليركبوك'' ثابتة كما كانت من قبل، على حد وصفه.
وفي سياق محاولة تغيير عقيدة الشرطة التي ترتبط لحد ما بالعنف، قال ''عبد الله'': ''إحنا حاولنا قبل كده في عهد الوزير منصور عيسوي، إننا نعيد تأهيل ضباط الشرطة كأطباء نفسيين، فأرسلنا مشروع لشرح كيفية التأهيل للوزير وأحاله لاتنين من قادة الشرطة، لكن كان الرد بما معناه هو إننا إحنا اللي عايزين تأهيل وإن الشرطة كويسة مفهاش حاجة''، على حد قوله.