كتبت - إشراق أحمد:
جلست على إحدى أرصفة الشوارع الجانبية بين العشرات الذين افترشوا الطرقات، لم تختلف تعبيرات ملامحها عنهم؛ فالوجوم وشحوب الوجه بدا على الجميع، نادرًا ما اخترقت البسمة تلك الأجواء، التي تتسارع فيها الدموع لتذرف حزنًا، مع صيحات تأتي من ''المنصة'' المقامة مرددة من خلفها الوقوف '' حسبنا الله ونعم الوكيل.. مكملين ..صامدون ..الله أكبر'' وغيرها.
لم يكن اختراق حاجز الصمت الذي ساد أغلب المعتصمين والمتظاهرين في ''رابعة العدوية''، صعب بالنسبة لـ''أم أحمد''؛ فهي مَن تخترقه بدلًا عنك، فيكفي أن يقترب أي شخص للوقوف بجوارها، حتى تهم بكلمات غير موجهةٍ لشخص معين '' لو شوفتهم وهم بيتقتلوا وقت الصلاة''، فتختلط وقتها الكلمات بدموع لا تهدأ إلا بأخرى ''يلا ربنا أهو موجود''.
لا تزال الأصوات القادمة من جهة المنصة تتعالى، بينما جلست المرأة الخمسينية بملابس بسيطة اتشحت بالسواد، تستريح بعض الوقت تتناول قطعة من الذرة أعطوها إليها، لتتمالك قواها خاصة بعد أخِذها جرعة ''الأنسولين''؛ فهي مريضة بالسكري، وتخشى أن تخر قواها بعد ما شهدته عند منطقة الحرس الجمهوري، لكنها مع ذلك تخبرك أن ''والله اللقمة ما قادرة تدخل''.
''أم أحمد'' سيدة تحمل الكثير من ملامح المصريين، قررت التواجد بميدان ''رابعة العدوية'' منذ 30 يونيو الماضي، قادمة من منطقة ''إمبابة'' وحدها دون رفيق من زوج أو ولد، من أجل '' أولاً الشريعة دي أول حاجة وتاني حاجة الرئيس محمد مرسي''.
''اشمعنى لما الرئيس محمد مرسي ساب الرئاسة بسرعة البنزين كتّر، والشرطة والبلد مشيت، اشمعنى يعني ده يورينا أن لسه اتباع ''حسني'' هما اللي بيعملوا فينا كده، عشان يرجعوا يمسكوا البلد''.. قالتها ''أم احمد'' بأنفاس متقطعة من أثر البكاء.
وعلى المبدأ الذي خرجت أول يوم من أجله، ظلت السيدة الخمسينية بين التظاهر والاعتصام بمنطقة ''رابعة العدوية'': '' ساعات أبات في المسجد وساعات أروح''، إلى اليوم الذي قررت فيه الذهاب إلى الاعتصام المتواجد عند ''الحرس الجمهوري'' ولم يكن ذلك سوى ''روحت أشوف في إيه وكانوا بيصلوا''.
''أم أحمد'' ليس لها قريب بين الضحايا من الوفيات والإصابات التي سقطت إثر فض الاعتصام كما قالت، لكنها حزينة القلب '' كلهم ولادي، لما شاب يموت قدام عيني هو إحنا كفار ولا مسلمين''.
وما بين يد تربط على كتف وذراع ''أم أحمد'' لتهدأ من بكائها، يأتي سؤال المارة من المعتصمين والمتظاهرين عن السبب، فتأتي إجابة أحدهم '' والله كله زعلان وكله مقهور''.
تتحدث ''أم احمد'' بكلمات بين لحظات صمت؛ تارة عن أن '' الإسلام بتاعنا قال كده قال يعملوا كده عشان المناصب''، وأخرى قائلة '' اللي غايظني فين الإعلام بتاعنا مش ده يبين إنهم عايزنها تبقى خراب، ولا قناة مفيش غير المغرب والجزائر هم اللي جايبنا''.
''أم أحمد'' على يقين أن الإعلام سبب رئيسي فيما يحدث خاصة في تكوين وجهات نظر الناس '' الناس مش فاهمين حاجة، واحد النهاردة بيقول عليا الطلاق بالتلاتة أنا عايز حسني، تيجي تكلمي حد الناس بقت ظالمة، وإحنا مصريين مش أجانب الإعلام لازم يجيبنا''.
لم يسلم أبناء ''أم احمد'' الخمسة من تبني وجهات النظر المخالفة المتهمة لكل أنصار ''محمد مرسي'' على حد قولها؛ فهم معارضون لنزولها و'' مصدقين الإعلام، بيقولوا لي بصي شوفي اللي بيحصل باين عليكي بقيتي زيهم''، وعلى الرغم من ذلك تأبى السيدة الخمسينية أن تغادر مكانها أو ألا تشارك المعتصمين والمتظاهرين بما اقتنعت به.