كتبت - نوريهان سيف الدين:
كان المسرح يضج بالتصفيق والهتاف تحية له ونداءه "بابا عبده"، عقب إسدال الستار وخروجه لتحية الجماهير، سنوات من الإبداع والكوميديا الراقية، مدرسة فنية تتلمذ فيها أجيالاً من كوميديانات الستينات والسبعينات وحتى أساتذة الجيل الحالي، سجل حافل بالأعمال الخالدة في تاريخ الدراما والسينما المصرية و خشبة المسرح وأيضًا "الإذاعة" عبر البرنامج المفضل لقلوب أجيال كاملة "ساعة لقلبك".
8 سنوات تمر اليوم على رحيل "بابا عبده"، الفنان المبدع "عبد المنعم مدبولي"، المولود في 28 ديسمبر 1921 بحي باب الشعرية بالقاهرة، فقد الأب سريعًا وعاش مع أسرة متواضعة، يعمل أخويه الكبار بجانب الدراسة لتوفير النفقات، وأثناء دراسته الابتدائية عشق المسرح وفرقة التمثيل، حتى أصبح "الألفة" على فرقته طوال سنوات الدراسة، ويقرر بعدها استكمال دراسته في "المعهد العالي لفن التمثيل العربي"، ويتخرج في دفعة المعهد الثانية.
انضم "مدبولي" إلى فرق الكبار أمثال "فاطمة رشدي" و "جورج أبيض" للعمل في أدوار صغيرة بمسارحهم، كما شارك في "برامج الأطفال" بالإذاعة المصرية بالتعاون مع الرائد الإذاعي ومعلم الأطفال الأول "محمد محمود شعبان - بابا شارو"، جنبًا إلى جنب مع "صفية المهندس" ورفيق عمره "فؤاد المهندس".
في 1952 وعقب الثورة، أسس "مدبولي" فرقة "المسرح الحر"، وكانت بداية لعدد من الفرق الصغيرة الناشئة التي هددت عروش الفرق المسرحية الكبيرة و في مقدمتها "الريحاني وإسماعيل يس" بعد أن تجمعت واندمجت في "فرقة التليفزيون المسرحية" برئاسة "السيد بدير"، وقدمت عروضًا جديدة ومتنوعة جذبت الجماهير بسرعة كبيرة.
تولى "مدبولي" فرقة المسرح الكوميدي وأخرج بضعة عروض منها "أنا وهو وهي، والسكرتير الفني" مع فؤاد المهندس وشويكار، "حلمك يا شيخ علام" مع "عقيلة راتب وأمين الهنيدي" وغيرها من العروض، كما أخرج لفرقة "إسماعيل يس" مسرحيتي "أنا وأخويا وأخويا، و3 فرخات وديك".
"فرقة الفنانين المتحدين".. هي الانطلاقة الأكبر لـ"مدبولي" في عالم الإخراج والتمثيل المسرحي، وهي المدرسة التي تخرج فيها عباقرة الضحك والكوميديا الراقية على مدار أكثر من نصف قرن بعد انطلاقتهم في "ساعة لقلبك"، فمنها تخرج "المهندس وشويكار"، خيرية أحمد، الخواجة بيجو وأبو لمعة والمعلم شكل، وأيضًا "الزعيم عادل إمام" بعد أول ظهور له في دور "دسوقي أفندي" في مسرحية "أنا وهو وهي".
ينفصل عن "الفنانين المتحدين" ويؤسس فرقة "المدبوليزم" في 1975، وبجانبها يشارك في عدد من العروض المسرحية من أهمها على الإطلاق "ريا و سكينة" في إطلالة متميزة مع "الدلوعة شادية" و"إمبراطورة المسرح سهير البابلي".
"بابا عبده" مسلسل لا ينساه جيل الثمانينات، كما لا ينسى الصغار أغنية "كان فيه واد اسمه الشاطر عمرو"، ويصبح منذ حينها ملقب بـ"بابا عبده"، وهي الفترة التي شهدت قبلها توهجًا في أعماله السينمائية، كان أبرزها على الإطلاق دوره في "الحفيد" في دور الزوج "حسين" أمام مجموعة من الأطفال والوجوه الشابة، وأيضًا الفيلم الغنائي الاستعراضي "مولد يا دنيا"، ودوره المتميز في "إحنا بتوع الاتوبيس" مع "عادل إمام"، وهو الفيلم الذي ظل لسنوات ممنوع رقابيًا لانتقاده الشديد لفترة نكسة 67.
"60 فيلمًا، 120 مسرحية، 30 مسلسلاً تليفزيونيًا، وعدد كبير من الحلقات الإذاعية "ساعة لقلبك".. هي رصيد "مدبولي" الفني خلال أكثر من نصف قرن من العطاء، ويظهر للمرة الأخيرة في مشهد يعد "ماستر سين" في فيلم "عايز حقي" أمام "هاني رمزي" وتكون كلمته "بيع يا عواد" هي محور معالجة الفيلم، و يلقى استحسانًا وقبولاً عاليًا بين المشاهدين وشهادة على تميزه في التمثيل والآداء في هذا السن الكبيرة.
يرحل "بابا عبده" في 9 يوليو 2006 عن عمر يناهز 84 عامًا، بعد متاعب صحية وأمراض القلب، وتشيع جنازته وسط دفء الجماهير، وبعد (شهرين فقط) يرحل رفيق دربه "الأستاذ .. فؤاد المهندس"، لتنتهي مدرسة الكوميديا النظيفة.