كتبت - يسرا سلامة:
بجنوب غرب حلوان في محافظة القاهرة، ووسط مساحة واسعة من خضرة أرض مصر، يقع ليمان ''طرة''؛ السجن السياسي الأشهر في مصر، استطاع القدر أن يجمع الفرقاء، من ساسة مبارك إلى قادة جماعة الإخوان المسلمين فى سجن واحد.
فالرئيس الأسبق حسنى مبارك ونجليه علاء وجمال، ووزير داخليته حبيب العادلى، وستة من كبار مساعديه، يقبع معهم الآن القيادي السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل، والقيادي الإخواني المهندس خيرت الشاطر، النائب الأول لجماعة الإخوان المسلمين، ليجمعهم السجن بعد أن لفظتهم السياسة، لكي يضم "طرة" مختلف التيارات السياسية بداخله.
السجن لم يجمع فقط رموز مبارك ولا رموز الإخوان، لكنه جمع في السابق رموز من التيار اليساري مثل القيادي كمال خليل، كما ضم سابقًا أيمن نور، القيادي الليبرالي بحزب الغد سابقًا في عهد مبارك؛ فكلما قفز تيار سياسي للسلطة في مصر، دفع بالآخر إلى جنبات "طرة".
المشهد الحالي داخل "طرة" ورد إلى ذهن الكاتب السينمائي "وحيد حامد" منذ أكثر من 18 عامًا؛ ففى عام 1995 كتب فيلم "طيور الظلام"، الذي جمع بين الفنان "عادل إمام"، الذى يجسد دور "فتحي نوفل"، المحامي الانتهازي، الذي يصعد اجتماعيًا ليصبح مدير مكتب أحد الوزراء، والفنان "رياض الخولي"، الذي يجسد دور "علي الزناتي"، الذى ينضم إلى أحد التيارات الدينية المتشددة.
المواجهة بين "فتحي" الانتهازي، و"علي" المتشدد الذي يسعى إلى الوصول للسلطة، لم تكن سوى ترميز رسمه المؤلف "وحيد حامد"، ليجسد طبيعة الصراع على السلطة، بين قوتين لا ينتهي أحدهما أمام الآخر، أو كما ورد على لسان "علي" في أحد المشاهد " ليبقى الحال بيننا كما هو عليه.. خصوم في قضية وأصدقاء في الواقع".
أحداث الفيلم تنتهي بإلقاء القبض على كليهما، وما يلبث أن يتم القبض علي أحدٍ حتى يلقى القبض على الآخر، لتستمر المواجهة بينهما في داخل أروقة السجن، ولينتهي بمشهد يشبه ما حدث في مصر بعد الخامس والعشرين من يناير، وذلك بعد أن شارك الإخوان في الثورة التي أدت إلى الإطاحة بمبارك وأعوانه من القصر إلى السجن.
وعاد بعد تلك الثورة قيادات الإخوان من سجن "طرة" وغيره من السجون السياسية، إلى المشهد السياسي مرة أخرى، لكي يكونوا هم على سدة الحكم، سرعان ما انقلب الوضع من بعد الثلاثين من يونيو، لكي يعود قادة الإخوان ومن أبرزهم خيرت الشاطر إلى "طرة" مرة أخرى، وبنفس التهمة التي زجت مبارك وأعوانه فى السجن "التحريض على قتل المتظاهرين".
فمبارك الذي تلاحقه هو ووزير داخليته، تهمة من قتل المتظاهرين في ميدان التحرير، وغيرها من الميادين التي شهدت الاحتجاجات في الخامس والعشرين والثامن والعشرين من يناير، تلاحق الآن "الشاطر" و"أبو إسماعيل"، لكن هذه المرة أمام مكتب جماعة الإخوان المسلمين بالمقطم، بعد أن وصل للسجن قبلهما سعد الكتاتني، رئيس حزب الحرية والعدالة، ومحمد رشاد بيومي، نائب المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، بتهمة التحريض على العنف وتكدير الأمن العام.