كتبت - يسرا سلامة:
تصوير - إشراق أحمد:
تلمّس بيده قطع النقود من حوله، التقط واحدة من أمام فرشته، ونظر فيها من خلال عدسته الصغيرة؛ فكّبر سنه لم يسعفه من التدقيق في العملة بدونها، وأخذ يقلبها بين يديه، حتى تأكد من أصالتها، وأعادها مرة أخرى إلى جوار باقة من العملات القديمة.
''الحاج عبد الله''.. لم يجد سوى وسط البلد لتكون له مكانًا لفرشته البسيطة وعليها ''كنز'' من مختلف النقود الورقية والعملات من كل بلدان العالم؛ فوسط بائعي الملابس والألعاب والطعام اختار أن يبيع للناس ما تركوه وتخلف عنهم من نقودهم التي رحلت أزمنتها وبقيت ذكرى .
''عبد الله''.. صاحب الخمسة والثمانين عامًا، يعمل بمهنة بيع وشراء العملات القديمة منذ أكثر من 15 سنة، بعد أن أرهقته مهنة ''المكوجي''، بعدها اتجه لجمع العملات القديمة بيعًا وشراءً، تعرفه من ثيابه الرثة و''سيجارته الصيني'' التي قلما يتركها.
''عبد الله'' يقطع المسافة يوميًا من محافظة القليوبية ومعه ''شنطة زرقاء'' رفيقة دربه إلى القاهرة؛ ليجلس في وسط البلد ومعه نقوده القديمة من المعدن والورق، وكما يقول إنه يملك عملات من كل بلدان العالم، يعرضها على المارة علهم يشتروا منه أو يبيعوا له.
''هنا فى وسط البلد زحمة والرجل ماشية للبيع''.. هكذا يعبر ''عبد الله'' عن قطعه كل تلك المسافة بالنقود المعدنية على كتفه الهّرم، يملك قروش من أيام السلطان ''حسين''، وجنيه ''الجملين'' فى عهد ''محمد علي'' والذى يُباع بألف جنيه، مرورًا بجنيه ''عبد الناصر'' الذى يحمل صورة السد العالي، وجنيهات ''السادات'' الكبيرة، كلها على فرشته و''كل عملة ليها زبون بيطلبها''.
لا يعلم ''عبد الله'' إن كان سيرى صورة ''محمد مرسي'' على جنيهاته أم لا؛ فيقول :''مرسي راجل طيب، ربنا يباركله، محدش عالم ممكن نشوفه في يوم من الأيام على الفلوس ولا لأ''، يميز ''عبد الله'' النقود من الرموز عليها، لتكون دليله على أصالة العملة.
قلة عدد السياح فى مصر كان له تأثير على بيع العملات لدى ''عبد الله''، ليبقى هواة ومحبي جمع العملات في مصر زبائنه الدائمين؛ فمن يملك عملة قديمة يأتي ليبيعها لديه، ومن يهوي جمعهم يجد ملاذه أيضًا؛ النقود الأقدم هي الأعلى قيمة وثمنًا.
''محمد الشاذلى'' وقف أمام فرشة ''عبدالله'' مصطحبًا ابنه الصغير ''يوسف'' ليسمح له بمشاهدة العملات القديمة من تاريخ مصر، يقول :'' بعض العملات موجودة عندي وبحتفظ بيها لإنها تاريخ بلدنا، خاصة من فترة الستينات لإني من مواليدها، كان موجود الخمسة مليم، والخمسين قرش كانت موجودة، وعملة الملك فاروق استمرت فترة بعد الثورة، لأنها عملة الزمن الجميل''.
''خالد'' موظف حكومي اعتاد أن يمر على ''عبد الله'' ليطالع ''الجديد'' لديه من النقود ''القديمة''؛ لعله يظفر من عنده بعملة تاريخية يحتفظ بها بين عملاته؛ فهو موظف يهوي جمع العملات القديمة والاحتفاظ بأرقامهم منذ 15 عامًا، يقول: '' جمع العملات هواية ''المجانين''، اللي يدخل فيها ما يقدرش يمنع نفسه من جمعهم''، مشيرًا إلى أن أغلى عملة اشتراها كانت عملة دولة الإمارات قديمًا.
''حاجة زمان ما بتتعوضش، أيام زمان جنيه ''السادات'' كان جرام الذهب بأربعة جنيه، إنما دلوقتي الدنيا غلا''.. هكذا يصف ''عبد الله'' قيمة نقوده القديمة، التي على كثرتها لم تكن سببًا في غناه، فغنى ''عبد الله'' كما يرى في الرضا والحمد الذي لا ينقطع من سيل حديثه، ليكون كل ما يتمناه الرزق والستر له ولأولاده الخمسة.