كتبت - دعاء الفولي:
الأرض الواسعة المنخفضة كانت هي مأواهم؛ تنادي أصواتهم عما يبيعون فيها رغم ما يكسو هذه الأرض من تراب وقمامة، ورغم كونها غير ممهدة للوقوف فيها؛ بعضهم كان ينادي على قطع من الخردة، وآخر ينادي على ملابس مستعملة مهترئة وملقاة على التراب، أما ''عبد المنعم''؛ فكان ما يبيعه مختلفًا، لا يليق مع ازدحام المكان ولا مع كونه في نهاية السوق الشعبي.
''أنا شغال في فساتين الأفراح من 17 سنة''.. قال ''عبد المنعم'' عن الفساتين التي كانت معلقة على ''الشماعات'' بعناية، كأنها متراصة في محل؛ حيث يأتي إلى قطعة الأرض هذه كل ثلاثاء بسبب السوق الذي يقام في منطقة المرج ويذهب يوم الخميس لـ''سوق المطرية'' ليبيع القماش.
''عبد المنعم'' البلغ من العمر ما يقرب من 20 عامًا؛ بدأ العمل في السوق منذ كان عمره 3 سنوات مع خاله ثم ''كنا بنشتغل أنا وولاد خالي وخالي سوا، وبعدين أنا انفصلت عنهم من أربع سنين وبقيت بشتغل في الفساتين لوحدي''، لم يكتفِ ''عبد المنعم'' ببضاعته التي يروجها يومي الثلاثاء والخميس في الأسواق بل ''كافحت لوحدي وبعدين عملت محل من كام سنة في الخصوص وببيع فيه فساتين''.
مسؤوليات ''عبد المنعم'' هي ما منعته من الاكتفاء بالوقوف في الأسواق فقط؛ فهو ينفق على والدته وأخواته البنات بالإضافة إلى ''والدي منفصل عن والدتي من زمان ومفيش حد غيري يصرف عليهم في البيت، وكمان في نفس الوقت مقدرش اكتفي بالمحل بس، لأن زبون المحل مختلف عن زبون السوق، وزبون السوق هو اللي بيجيب زبون المحل، وكل واحد بيبقى عايز حاجة بمستوى معين بيلاقيها إما في المحل أو في الشارع هنا''، على حد قوله.
وجود ''عبد المنعم'' في منطقة شعبية جعل أسعار الفساتين التي يبيعها قليلة إلى حد كبير؛ فكما يقول ''الأسعار متنوعة، في فساتين بـ50 وفي حاجات بـ75 وعندي حاجات بـ350 جنيه، واللي عايز أكتر من كده ممكن أجبله، بس الأسعار على أد الناس هنا، لأنهم بيشتروا الفستان وبيبقى بتاعهم بدل التأجير''.
العمل في الفساتين هي مهنة ''عبد المنعم'' المفضلة؛ فطموحه يتجاوز مجرد الوقوف في الشارع أو امتلاك محل؛ حيث أنه ''انا بحب تصميم الأزياء، ونفسي أشتغل مصمم أزياء، لدرجة إني لما بيجيلي في المحل فستان مش عاجبني تفصيلته أوي، ممكن أفكه وأركب الخرز بشكل مختلف أو أغير فيه، لأني متربي وسط القماش والفساتين، وبتيجي الزباين بعد كده بيعجبهم التعديلات اللي بتحصل في الفساتين''.
كما أن حب ''عبد المنعم'' لمهنته يجعله يقطع مسافات طويلة إلى أكثر من محافظة مثل الإسكندرية والسويس والإسماعيلية للحصول على الفساتين من أصحاب المحلات بأسعار أرخص لبيعها في السوق.
''نفسي أكمل تعليمي وأدخل كلية ليها علاقة بتصميم الأزياء أو التصوير''.. هكذا تحدث ''عبد المنعم'' عن أمنيته التي ينشدها منذ كان صغيرًا؛ فرغم الضغوط الملقاة عليه بسبب مسؤولية الأسرة وإيجار المحل ومخزن الملابس والدراسة، إلا أنه دائمًا يردد ''ربنا بيدبرها من عنده''، على حد قوله .