كتابة وتصوير- إشراق أحمد:
أصوات تعلو بين الحين والآخر، تنادي باسم الأشياء التي افترشت الأرض، وعلى قطع خشب أخذت شكل موائد صغيرة؛ لعلها تجذب الزبائن القادمة مثلهم خصيصًا لمنطقة المرج في يوم الثلاثاء؛ حيث السوق المعروف بـ''سوق التلات'' .
وما بين ذلك أسندت ''نفيسة'' ظهرها إلى الحائط المقابل لإحدى مخارج محطة مترو أنفاق ''المرج''؛ لا يحميها من حر شمس الظهيرة سوى غطاء رأس غير مهندم ارتدته على جلباب أسود منقوش.
وبجانبها جلس عدد من ''الليف''، تأتي به تلك السيدة الظاهر على ملامحها مرور الزمن، وما هي إلا ثوانً من الحديث حتى يتأكد ذلك بحرصها على إخبارك أنها '' حجيت 4 مرات من غير تكليف''، والذي تفسره '' اللي سنها كبير تحج من غير ما حد يكون معاها، حجيت لوحدي''.
''نفيسة'' لا تعرف عمرها تحديداً غير أنها '' عايشة بقالي يجي 70 أو 80 سنة ''، كما أنها لا تعرف تحديدًا العمر الذي قضته في العمل بالسوق ''بقالي يجي 20 أو 30 سنة''.
بيع ''الليف'' لم يكن عمل ''نفيسة'' الأساسي، بل هو ما لجأت إليه بحكم السن نظرًا لحمولته الخفيف ''كنت الأول بشيل على راسي والميزان على دراعي وأجري دلوقتي لأ بشيل براحة''، فقد كانت تعمل بالحقول '' كنت أجمع درة من الأرض وأبيع خضار''.
تعمل ''نفيسة'' بالأسواق ''من زمان'' على حد قولها، تخرج في الصباح الباكر من بيتها بقرية ''الزوامل'' بمركز ''بلبيس'' في الشرقية قاصدة الأسواق أيام الأحد والثلاثاء والخميس، وهى الأيام التي اكتفت بها ليس فقط بسبب عمرها لكن لاختلاف الأحوال.
وقالت ''نفيسة'': '' كان القطر زمان بيجيبنا لحد هنا القطر معدش بيجي لحد هنا، عربية بتاخدنا من الشرقية وتجيبنا الأول كنت باجي كل يوم، كنت بمشي واجي كل الأسواق لما تعبت بقى والسن كبر الحمد لله '' .
تجلس '' نفيسة'' أيامها بالأسواق في هدوء تنتظر من يريد ''الليف''، فينحني سائلاً عن السعر وإما أن يشتري أو يذهب في صمت، لتظل في مكانها لا تتركه إلا مع آذان الظهر للصلاة، ثم تعود إليه مرة أخرى حتى وقت العصر إما قبله بقليل أو بعده؛ حيث ينتهي يومها، فما يحدد ذلك السيارة التي يتفق معها الباعة لتقلهم ذهابًا وإيابًا، لتعود إلي بيتها الملجأ الوحيد لها قاطعة تلك المسافة ''أرجع على بيتي في الشرقية أعمل إيه أومال ارجع على فين''.
وبوصول ''نفيسة'' إلى الشرقية وتحديداً ''بلبيس'' تبدأ رحلة أخرى في البحث عن عربة تقلها إلى ''الزوامل ''؛ حيث أن '' الزوامل بعد بلبيس كده بينا وبينها جنيه ركوب وكان الأول بربع جنيه''.
''أهو اللي يطلع عشان أكل والله نوبة يطلع ونوبة ميطلعش اللي ربنا يبعته''.. هكذا قالت ''نفيسة'' بلهجة قروية بسيطة عن حال عملها بالسوق الذي تلجأ إليه رغم عمرها هذا خاصة وأنها ''أنا مخلفتش، اتجوزت وأنا صغيرة قعدت سنة عقبال ما بلغت مع جوزي الله يرحمه مات من 10 سنين''.
لا تكل '' نفيسة'' من الجلوس والسعي على رزق اليوم حتى ولو قليل؛ فعلى الرغم من أن '' اللي بيشتري تعبان واللي بيبيع تعبان، يعني كلها محصله بعضها في التعب''، غير أن كلمات الحمد لا تفرقها لإيمانها أن ''ربنا هو اللي بيمشيها الحمد لله'' .
''نفيسة'' لا تعبأ بتردد الناس على الشراء منها ''يعني هنجيب الزباين بالحبل، الرزق اللي بيبعته ربنا للواحد بياخده وكلها على الماشي والحمد لله''.
كل ما ترغب به ''نفيسة'' التي لا تأنس في يومها إلا بالباعة من حولها ''نفسي في ستر ربنا ولا ينيمنيش نومة ردية، يوم وداع ويوم وداع، أنا بنام واكب على نفسي الباب مش ضامنة أقوم والحمد لله''، على حد قوله.