كتبت - دعاء الفولي:
''يلا بنص والتلاتة بجنيه''.. كلمات أخذت تنادي بها بعلو صوتها، ليأتي لها الناس من كل مكان بالسوق، قطعة قماش كبيرة تشبه ''القصعة'' وُضعت في ''طشت'' فضي كبير لتتحمل ما فيها، كانت ''كيزان'' الذرة الصغيرة هي ما يملأ قطعة القماش؛ حيث وقف الناس ينتقون منها ما يريدون؛ أياديهم تمسك بـ''كوز'' الذرة هذا أو ذاك، يضغطون عليه بأصابعهم لمعرفة إذا كان به عيوب أم لا.
أما ''أمينة'' التي كان صوتها يعلو بسعر الذرة، فقد جلست أمام البضاعة بهيئتها المصرية؛ حيث أن سوق الثلاثاء بمنطقة ''المرج'' هو مكانها الذي لا تتأخر عنه منذ 17 عامًا حتى الآن ''بروح سوق الأحد وبروح سوق الخميس اللي في المطرية''، وباقي أيام الأسبوع تذهب لمنطقة بولاق الدكرور لتبيع بضاعتها.
تأتي ''أمينة'' من منطقة سكنها بجزيرة الوراق لتبيع الذرة من الساعة التاسعة صباحًا وحتى العصر أو أحيانا المغرب؛ فهي ''أنا مبجيش لوحدي، بيبقى معايا ستات من منطقتنا بيبيعوا درة هنا برضو في السوق وبنيجي سوا، في ميكروباص بيجيبنا هنا من الجزيرة عشان الحاجة اللي بنبقى شايلينها''، على حد قولها.
الذرة الصغيرة التي تبيعها ''أمينة'' لا تأتي من فراغ فهي لا تستطيع شراء الذرة الكبيرة إلا أيام معدودة في الأسبوع لأنها ''الذرة الكبيرة بتتباع بالكوز وبتبقى غالية عليا، فبشتري الصغيرة من الناس اللي بيزرعوها عندنا في الجزيرة وأبيعها في الأسواق بس، فبشتري خمسمية كوز صغيرين بـ200 جنيه، لكن بقية أيام الأسبوع بجيب الكبيرة''.
''الفرن الفلاحي'' هو ما تعتمد عليه ''أمينة'' لعمل الذرة؛ فهي لا تستطيع الشواء على الفحم كما يفعل معظم البائعون مثلها، وبالتالي يكون عليها القيام يوميًا من الساعة الواحدة ليلاً لتبدأ في شواء ما ستبيعه في فرن بيتها، سواء أكان ذلك للأسواق أو لغيرها.
في جنبات مشقة البيع والتنقل التي تعاني منها ''أمينة'' يوميًا من أجل كسب المال، بالإضافة إلى أن الذرة، يأتي عليها مواسم تتسم بالبيع القليل مثل شهر رمضان؛ إلا أنها لا تعرف لها مهنة غيرها؛ فقالت ''معرفش أشتغل حاجة غير بياعة درة، حاولت أشتغل بياعة سمك، وجبت سمك من العبور بس معرفتش أبيعه، وحاولت أشتغل بياعة خضار عند بيتنا بس معرفتش''، بيع الذرة ليست مهنة ''أمينة'' وحدها؛ فزوجها أيضا يبيعها، ولكن بالقرب من منطقة سكنهم بجزيرة الوراق.
ثلاثة أبناء؛ هم قرة عين ''أمينة'' وزوجها، فرغم كونها لم تتعلم، فقد كانت تريدهم أن يكملوا تعليمهم وهذا ما لم يحدث؛ حيث أن ''حاولت أعلمهم بس ابني الكبير مرضيش يكمل تعليمه، وبنتي الوسطانية والصغير مقدروش يكملوا، كانوا بيعرفوا يكتبوا كويس بس مش بيعرفوا يقرأوا، والمدرسين عندنا في الجزيرة كمان مش كويسين أوي''.
وعما يعجبها ولا يعجبها في أحوال البلد، قالت ''أمينة'' أن ''الحال ماشي، بس الدنيا بقت أصعب من بعد ما جه مرسي، والمشكلة الأكبر إنه مبقاش فيه أمان، الواحد بقى بيخاف عن الأول، حتى جوزي بقى يخاف يرجع متأخر من الشغل، لأنه اتثبت قبل كده، وهو مروح البيت وخدوا فلوسه وقلنا الحمد لله إنه متعورش''.
وبين الحين والآخر لازالت ''أمينة'' تنادي بأن ''يلا التلاتة بجنيه يا درة''، فالإنهاك الذي تشعر به جراء وجودها في الشمس الحارقة منذ الصباح لم يمنعها من مناوشة الزبائن ولو بالكلام، ورغم أنهم يعرفونها وتعرفهم؛ فإن ذلك لم يوقفها عن إخبار الذين يفاصلون معها في سعر الذرة أن ''هما تلاتة بس، مينفعش أربعة بجنيه، مفيش حاجة بربع جنية دلوقتي''.