كتبت - نوريهان سيف الدين:
هي ''وردة الغناء العربي''، وأحد المطربات اللاتي أنجبتهن الثورات العربية وتغنين بحلم العروبة والقومية، صوتها ظل لما يقارب النصف قرن من الزمان قويًا مألوفًا على الآذان والقلوب العربية، وحتى بعد عام من الرحيل لا زال صوت ''وردة'' يملأ الدنيا.
''وردة فتوكي'' أو المشهورة عربيًا وعالميًا بـ''وردة الجزائرية''، علامة بارزة في تاريخ دولة الجزائر، إلا أنها امتزجت في دمائها ثلاثة بلدان عربية، فهي المولودة في فرنسا في 22 يوليو 1939 لأب جزائري وأم لبنانية، وعاشت سنين عمرها الأولى في باريس، وعملت وهي لا زالت طفلة صغيرة في الغناء بمقهى مملوك لأبيها، مؤدية لأدوار طأم كلثوم'' و''أسمهان'' ببراعة شديدة وتمكن من الآداء الصوتي.
انتقلت ''وردة'' بعد ذلك لبيروت؛ حيث عائلة والدتها ''يموت''، وهناك قدمت أول أغاني خاصة بها، وبدأ اسمها في الانتشار المحدود حتى جاءتها دعوة لتزور عاصمة الشرق ''القاهرة'' في مطلع الستينات من القرن الماضي.
''بداية النجوم'' .. فدعوة القدوم كانت من المنتج ''حلمي رفلة'' في عام 1960، ليقدمها في دور البطولة في فيلمه ''ألمظ وعبده الحامولي'' أمام عادل مأمون وحسين رياض وفؤاد المهندس وشكري سرحان، وحصلت على ''الإقامة بالقاهرة'' حتى انتهاء هذا الفيلم، والذي حقق نجاحًا كبيرًا وقت عرضه بالسينمات، وانطلقت ''وردة الغناء العربي'' في عالم النجومية والغناء، واتخذت من ''القاهرة'' عاصمة فنية ومحل إقامة لها.
ارتبطت ''وردة'' بالأغاني الوطنية خاصة مع الثورة الجزائرية، وأضيف لها مطلع في أوبريت ''الوطن الأكبر'' لتقول فيه (وطني يا ثورة على استعمارهم، املى ''جزايرك'' نار دمرهم)، وشاركت عمالقة الغناء العربي ''العندليب وصباح وشادية وفايزة أحمد وفايدة كامل'' والموسيقار ''محمد عبد الوهاب'' في هذا العمل.
انطلاقتها السريعة وعلاقاتها القوية مع المسئولين سبب لها متاعب، لعل أبرزها ''إشاعة علاقتها بالمشير عامر''، وتداولت الصحافة وقتها أخبار زواجها سريًا منه، واستغلالها لسلطته ونفوذه في تسيير أعمالها، إلا أن المشير نفى ذلك تمامًا، وتسبب هذا في حرمانها لفترة من الدخول لمصر، و لم تعود إلا بواسطة من الموسيقار ''عبد الوهاب'' للرئيس ''السادات''.
خلال هذه الفترة، اعتزلت ''وردة'' الغناء لفترة، وظلت في بلدها الأم ''الجزائر'' بعد أن تزوجت ''جمال القصيري – وكيل وزارة الاقتصاد الجزائري''، ولم تعود إلا بـ''قرار جمهوري''؛ حيث طلبها الرئيس ''هواري بومدين'' للغناء في احتفالات الجزائر بالعيد العاشر للاستقلال 1972، و بعد فترة انفصلت عن زوجها الأول الجزائري.
عادت إلى مصر وتزوجت من الموسيقار ''بليغ حمدي''، ليقدما معا مشوارًا من الألحان الناجحة، وفي نفس العام كانت ''حرب أكتوبر 1973''، و تقدم ''وردة'' أول أغنية لمصر احتفالاً بالحرب ''ع الربابة بغني'' بعد ثلاثة أيام من إذاعة بيانات التقدم على جبهات القتال.
''أوقاتي بتحلو'' .. أغنية كان من المقرر أن تغنيها كوكب الشرق ''أم كلثوم'' بألحان ''سيد مكاوي''، وبالفعل سجلت البروفات بصوتها أواخر عام 1974، إلا أن مشروع الأغنية لم يكتمل بسبب مرض ووفاة ''أم كلثوم'' في 1975، وظلت الأغنية مشروعًا منسيًا، حتى قدمتها ''وردة'' بدلاً منها في 1979، وتبدأ رحلة تعاون مع ''الشيخ مكاوي'' ثم مع ''الشرنوبي'' وحلمي بكر وغيرهم.
نجوم مضيئة في سماء الأغنية العربية حملت توقيع ''وردة الجزائرية''، ''بتونس بيك، حرمت أحبك، لعبة الأيام، في يوم و ليلة، أكدب عليك، بيسألوني''، وأكثر من 300 أغنية أخرى، كما قدمت للسينما ''صوت الحب، آه يا ليل يا زمن، حكايتي مع الزمان، أميرة العرب، ليه يا دنيا''، و قدمت في الدراما مسلسلات ''الوادي الكبير –مسلسل جزائري 1970، أوراق الورد 1977، آن الآوان 2006''.
ترددت للإقامة بين القاهرة والجزائر العاصمة وباريس ومعها أولادها ''وداد ورياض''، وأصيبت بمرض تخضع على إثره لعملية زراعة كبد في فرنسا، ثم عادت للقاهرة وتظل بها حتى وفاتها في 17 مايو 2012، وينقل جثمانها على طائرة عسكرية خاصة للعاصمة الجزائرية، وتشيع وسط دفء الجماهير العربية، وفي حضور رئاسي ودبلوماسي رفيع المستوى، لتدفن ''الوردة'' في مقابر أسرتها بالجزائر.