كتبت - نوريهان سيف الدين:
دخل السينما يمتطي صهوة جواده، وعاش عمره "أميرًا" متربعا على عرش نجوم الشاشة الفضية، جمعت حياته بين شرف العسكرية المصرية، وتألق وسحر السينما، ولازمته النجومية كلون جلده حتى وفاته، فعشقه الجمهور، وظلت أعماله خالدة في ذاكرة السينما المصرية.
"حافظ مظهر".. أو من اشتهر فنيا بـ"أحمد مظهر"، "الفارس" و "برنس" السينما المصرية، مولود في 18 أكتوبر 1917 بحي العباسية بالقاهرة، أتم دراسته الثانوية والتحق بالكلية الحربية، ليتخرج فيها ضابطًا بسلاح المشاة عام 1938، ويكون ضمن دفعته كل من "جمال عبد الناصر، أنور السادات، عبد الحكيم عامر، زكريا محي الدين، البغدادي و الشافعي"، ونخبة من تنظيم "الضباط الأحرار"، الذي انضم إليهم عقب عودته من مشاركته مع الجيش المصري بحرب فلسطين 1948.
بدايته الفنية جاءت من خلال ترشيح العملاق "زكي طليمات" له ليؤدي دور صغير في مسرحية "الوطن" عام 1948 قبل ذهابه للحرب، وبعد عودته تلاشى لديه حلم التمثيل، وقرر الانضمام لـ"سلاح الفرسان"، إلا أن صديقه السابق بالجيش "المخرج عز الدين ابراهيم" أسند إليه دورًا صغيرًا كـ"فارس" ضمن فيلم "ظهور الإسلام 1951".
رغم كونه ضمن "الضباط الأحرار"، وبعض اجتماعاتهم كانت تعقد بمنزله بالحلمية، إلا أنه لم يشارك في "ثورة يوليو 1952"، وكان وقتها يمثل مصر في مسابقات الفروسية بدورة الألعاب الاوليمبية بهلسنكي، وعندما عاد "مظهر" بعد الثورة، أسند إليه صديقه في سلاح المشاة سابقا "البكباشي جمال عبد الناصر" قيادة مدرسة الفروسية.
الخطوة الأولى الحقيقية في التمثيل كانت من خلال أصدقائه ضباط الجيش "فارس الرومانسية - يوسف السباعي"، والمخرج "عز الدين ذوالفقار"، واللذان أسندا إليه دور "البرنس علاء" في فيلم "رد قلبي" 1957، وخلال تصوير هذا الفيلم، واجه صعوبة في الحصول على اجازات من السلاح في الجيش، فذهب إلى صديقه "جمال عبد الناصر" للوصول إلى حل، فأقنعه صديقه "ناصر" أن يتفرغ للتمثيل، وأنه يستطيع خدمة وطنه كفنان كما يخدمها ضابط الجيش، فقرر "مظهر" التقاعد برتبة "عميد جيش"، وقال: "ذهبت لناصر لأحصل على (تصريح) فأقنعني بـ(التسريح)".
لمع نجم "أحمد مظهر" في السينما، وتخطفه مخرجي الشاشة الفضية، وكان صاحب ذوق خاص في اختيار أدواره؛ ففي البداية حافظ على دور "الجان" رجل المجتمع المنمق، لا يرتدي سوى "البدلة والكرافات"، حتى جاء التمرد الأول في "لوعة الحب" أمام "شادية" و"عمر الشريف"، وخلع جلد "الجان" ليرتدي "عفريتة الطوبجي" سائق القطار حاد الطبع و"صاحب الكوباية".
العلامة المميزة الثانية جاءت في ثوب "الكوميديا" من خلال "البرنس شوكت حلمي" العاطل بالوراثة والمبدد لثروته، والمنتقد لكل ما حوله، من خلال أداء كوميدي متميز لرواية "الأيدي الناعمة 1963"، تأليف "توفيق الحكيم"، وإنتاج "الشركة المصرية للإنتاج السينمائي العربي"، أحد شركات الإنتاج السينمائي التي قدمتها ثورة يوليو في أول إنتاج لها.
بعد تقاعده من الجيش، عمل "مظهر" سكرتير عام بالمجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، ثم تفرغ تماما للتمثيل، وخاض تجربة التأليف والإخراج والإنتاج عام 1968 في فيلم "نفوس حائرة"، والتي قدم فيه لأول مرة "ميرفت أمين" كوجه جديد.
يستمر "الفارس" في الإبداع، ويقدم واحدة من أروع وأضخم إنتاجات السينما العربية "الناصر صلاح الدين"، والتي حشدت له منتجته "آسيا داغر" جميع عناصر النجومية لإتمامه، من قصة كتبها "نجيب محفوظ"، وسيناريو شارك فيه "محفوظ ويوسف شاهين وغيرهم"، وإخراج للعالمي "يوسف شاهين، فضلاً عن تمثيل لعمالقة نجوم السينما العربية على رأسهم "أحمد مظهر" في دور الناصر صلاح الدين، ويظل الدور محفورًا في وجدان مشاهد السينما بملامح "مظهر" مهما تغير مؤدي الدور في بقية الأعمال.
يستمر "مظهر" كما بدأ في الأعمال التاريخية، ويظهر أيضًا في دور "بجاد" زوج "الشيماء - شقيقة رسول الله (ص) في الرضاعة"، كما شارك في بطولة "وا إسلاماه"، إلى جانب أدوار أخرى متنوعة تخطت الـ140 عملا نذكر منها "دعاء الكروان، العتبة الخضرا، غرام الأسياد، النظارة السوداء، غصن الزيتون، لصوص لكن ظرفاء" ويؤدي دورًا في الفيلم الأمريكي "البنادق والغضب 1980".
منحه الرئيس "عبد الناصر" وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى عام 1969، كما كرمه الرئيس "السادات" في احتفالات عيد الفن، ونال أكثر من 40 جائزة محلية ودولية أهمها "جائزة الممثل الأول" عن دوره في فيلم "الزوجة العذراء"، وجائزة التمثيل الأولى عن فيلم "الليلة الاخيرة"، وكذلك تكريمه في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.
على الشاشة الصغيرة، قدم "مظهر" أدوارًا متنوعة أهمها على الإطلاق دور "القبطان" في "ضمير أبلة حكمت 1990" أمام سيدة الشاشة العربية "فاتن حمامة"، "برديس 1985"، "القضاء في الإسلام"، وكان أخر أعماله السينمائية فيلم "عتبة الستات 1995"، في حين كان أخر عمل فني له على الإطلاق مسلسل "ضد التيار 1997" أمام سميرة أحمد.
عاش "مظهر" مع أولاده في فيلته بالمريوطية، وعاني في أخر أيامه من أزمة وقوع أرضه ضمن مشروع "المحور المؤدي لمدينة 6 أكتوبر"، ولم يجد من ينصفه بالتعويض عن أرضه التي اقتطعها المحور طوليًا، ورحل عن دنيانا في 8 مايو 2002، وشيع جنازته من مسجد "عمر مكرم"، تاركاً ثروة لا تقدر بثمن من أعماله السينمائية، وعشق واحترام الجماهير لفارس السينما "البرنس.. أحمد مظهر".