كتبت - إشراق أحمد:
جاء مع ابنته '' يوستينا'' إلى الحديقة مثل كثيرين قصدوا الحدائق العامة؛ فاليوم عطلة رسمية بمناسبة عيد ''شم النسيم''؛ وفي الركن الخاص بألعاب الأطفال توقفا على المدخل؛ حيث جلس رجل أربعيني حاملاُ في يده فرشاة صغيره، ليتساءل الأب '' بترسم إيه''.
'' كل حاجة، تعالي ارسم لك فراشة جميلة''.. قالها ''محمد عزب'' رسام أقنعة على وجوه الأطفال بحديقة ''دار العلوم'' بينما جلست '' يوستينا'' على المقعد أمامه ليرسم الفراشة على وجهها بعد أن غمس فرشاته في علب الألوان الصغيرة بجانبه.
قبلها انتهز كل من ''مهند''، و''بسنت''، و''بسملة'' فرصة عدم مجيء أحد، لرسم قناع على وجهوهم؛ فالأول ابن ''عزب'' الذي لم يكمل عامه الثالث بعد، أما الآخرين أبناء أخت '' هدى'' زوجة '' عزب'' التي جلست إلى جواره.
''منها نتفسح ونلعب وننبسط ونروح معانا فلوس كمان ''.. قالتها ''هدى'' التي تصحب زوجها إلى '' دار العلوم'' وتشاركه في مهنته، وموهبته منذ 3 سنوات حيث زواجهما، حتى أن عمله في هذا المكان كان سبب ذلك '' تعرفت عليه في العيد الكبير جيت اشتغلت معه هنا، وبعدها بفترة اتجوزنا وهو أصلا يرسم بورتريهات على ورق البردي وينزل خان الخليل يبيعها''.
تجتمع عائلة '' عزب'' في مكان واحد يحاولون الاحتفال كغيرهم بجانب العمل الذي لا يتوقف في مثل تلك المناسبات بل بعدها '' شغلنا في الأعياد والمواسم بعدها بقى الشغل الأساسي العادي يوم فيه ويوم لأ يعني أرزقي''، وفي تلك الأوقات من كل عام تتمنى ''هدى'' أن '' كان نفسي في الوقت ده يبقى معانا نخرج زي ما بقيت الناس لكنه شغل برده يدخل دخل للبيت لان الحالة الاقتصادية اللي فيها مصر كلها نازلة لتحت''.
ومع أن هذا العام ليس كسابقه في رأي '' هدى'': '' السنة دي كئيبة شوية عن السنوات اللي فاتت'' لكن كل ما يدفع للاستمرار بالاحتفال '' الأولاد دول ملهمش ذنب''.
منذ اليوم السابق لـ''شم النسيم'' يتوجه '' عزب'' وزوجته إلى مدينة نصر ليبيتا عند والدة ''هدى'' نظراً لسكنهم البعيد عن الحديقة '' ساكنين في مدينة بدر بنيجي عند والدتي في مدينة نصر عشان نبقى قريبين''.
وربما بدت فكرة عمل ''عزب'' كغيره من المزاولين للرسم على وجوه الأطفال في الحدائق العامة، غير أن فرشاته، وألوانه، وعمله في المكان منذ عشر سنوات من عمر 20 عاماً حيث بدأ الرسم بالحدائق على حد قوله؛ لا يقولون ذلك، فهو يختار للأطفال ما يناسبهم ويحاول أن يبتكر فيه '' أنا اللي مبتكر الشخصيات دي كلها لفراشات وتوم جيري وغيرها كتير، أه مثلاً الرسم فراشة لكن بحط عليها إضافات في الألوان والجليتر بيدي لمسة للشكل''.
ما يقرب من دقيقتان هي كل ما يستغرقه ''عزب'' لوضع لمسات فرشاته على وجه طفل، ليعطيه بعدها مرآة صغيره بجواره، فيبتسم وقد تغير وجهه بالقناع المرسوم ومعه يبتسم '' عزب''.
''عزب'' خريج هندسة الأزهر والدارس للفنون الجميلة وأضف إلى ذلك '' وبشتغل في معهد الموسيقى العربية وبشتغل في النحت والرسم''، الفن بالنسبة له رغم ذلك ليس مجرد عمل وموهبة بل حياة '' الفن يعتبر حياة الإنسان يطلع كل الطاقة اللي جواه على أشكال الإبداع اللي بينتجها إذا كانت لوحات فنية أو نحت أو غيره''.
منذ الصف السادس الابتدائي وتحديداً عام 79 عرف ''عزب'' موهبته في الرسم بإحدى برامج الأطفال التي كانت تُقدم '' سينما الأطفال'' ليحصد أول جائزة ومقابل لفنه كانت خمسة جنيهات، وما أن بدأ الصف الإعدادي حتى عرف قدرته على النحت '' كان في مسابقة بالمدرسة للرسم فنحت تمثال لسعد زغلول على حتة حجر حوالي 10 سم لكن مدرس الرسم خده قدمه في المسابقة ومجاليش أي عائد وخد هو الجايزة''.
وعلى الرغم من ذلك الموقف الذي لم ينساه ''عزب'' غير أنه كان دافع له لاتخاذ موهبته وسيلة لكسب الرزق في هذه السن الصغيرة؛ إذ كانت عائلته بحاجة لعائل وكذلك هو يحتاج لاستكمال دراسته.
'' حديقة الحيوان'' بالجيزة كانت بداية عمل ''عزب'': '' اشتغلت في حديقة الحيوان جاتلي الفكرة لما روحت وبدأت ارسم فبعد كده بقت مهنة اعتبرتها كده مش بس هواية، الأجر طبعا كان خيالي جدا كان ممكن في اليوم اعمل 1000 جنية وسني صغير في إعدادي'' قالها الرجل الأربعيني ذاكراً سبب تركه لها وانتقاله إلى حديقة '' دار العلوم'': '' لقيت النسبة قليلة مقابل الجهد والتعب فبقيت أشتغل حر، النسبة بتاعتي هنا النص ومفيش رسامين خالص على عكس حديقة الحيوان اللي كان فيها التلت والتلتين''.
''بالنسبة لي الجناين أحسن''.. هكذا يرى ''عزب '' رغم أنه يعرف نفسه ''رسام بورتيريهات ومناظر طبيعية وكان ليا لوحات في معارض بالزماك''، وكذلك الضغط الذي يلقاه خاصة مساء أيام الأعياد لكن اعتقاده أن '' مفيش حاجة بتتعبني ولا بتضايقني اللي بيحب الرسم بيحب كل حاجة'' ورغبته أن يكون حراً، جعلت له طريقه للتخلص من ذلك، فما هي إلا كلمات '' مين يا ولاد عايز يرسم نمر'' ثم '' أقعدهم وأرسم مرة واحدة اعمل مثلا 10 رسوم في دقائق هتاخد الوقت نفسه في عمل رسم واحد''.
حب ''عزب'' للفن عامة، وللنحت والأطفال خاصة جعلت أقدامه تسوقه إلى أصحاب مصانع ألعاب الملاهي، لينتهي به الأمر بالعمل في مصنع ألعاب في القليوبية، حيث يصنع تصميمات لتلك الألعاب.
وحتى عمله بذلك لم يمنعه عن التفكير في جديد '' بدأت اعمل تصميم الألعاب وأول حاجة كانت تصميم الفناجين اللي يركبها الأطفال'' ليقول لصاحب المصنع '' اللعب دي بنجيبها منين''، فدفعه رده '' بشتري اللعبة من المنتج وبعدين نصب عليها'' لتجربه شيء جديد: '' قلت له طيب ما ننحتها لك قالي تعرف تنحت نجرب.
ومنذ ذلك اليوم ويقوم ''عزب'' بنحت ألعاب الملاهي، وهى أكثر مراحل صناعة الملاهي أهمية، والتي يتم استيرادها من الصين بينما يمكن صناعتها في مصر '' نقدر نصنع كل حاجة بس مش عندنا اهتمام، الألعاب دي تتعمل تتصدر بره مصر، ونشتري الصيني اللي على مستوي إيدنا''.
'' لو نزت مصر هتبقى ارخص لكن لو هتتصدر هتتباع أغلى''.. هكذا قال '' عزب'' مفسراً سبب تصدير ألعاب المصنع الذي يعمل به وأغلب نوعية هذه المصانع إلى الخارج، ورغم تمنيه أن يجد يوماً تصميم الألعاب بالحدائق المصرية '' نفسي طبعاً '' غير أن '' اللي يعيق ده الفلوس، الجناين اللي هنا إمكانياتها بسيطة''.