كتبت - نوريهان سيف الدين:
''شم النسيم'' يوم اختصت به الشخصية المصرية نفسها؛ أصله يمتد بجذوره لآلاف السنين، ليوم كانت فيه مصر شمس الحضارة ومنارة الإنسانية في أرض الله قاطبة، احتفال هو نتاج حب المصري لأرضه وللنيل - شريان حياته - ولكل جميل يحيا به ومن أجله على أرضه السمراء.
بعض المؤرخين يرون أن بداية الاحتفال به ترجع إلى عصر ما قبل الأسرات، ويعتقدون أن الاحتفال بهذا العيد كان معروفًا في مدينة هليوبوليس ''أون''.
وترجع تسمية ''شم النسيم'' بهذا الاسم إلى الكلمة الفرعونية ''شمو''، وهي كلمة مصرية قديمة لها صورتان: عيد يرمز عند قدماء المصريين إلى بعث الحياة، وكان المصريون القدماء يعتقدون أن ذلك اليوم هو أول الزمان، أو بدأ خلق العالم كما كانوا يتصورون.
وتعرَّض الاسم للتحريف على مرِّ العصور، وأضيفت إليه كلمة ''النسيم'' لارتباط هذا الفصل باعتدال الجو، وطيب النسيم، وما يصاحب الاحتفال بذلك العيد من الخروج إلى الحدائق والمتنزهات والاستمتاع بجمال الطبيعة. وكان قدماء المصريين يحتفلون بذلك اليوم في احتفال رسمي كبير فيما يعرف بالانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار، وقت حلول الشمس في برج الحمل. فكانوا يجتمعون أمام الواجهة الشمالية للهرم – قبل الغروب –؛ ليشهدوا غروب الشمس، فيظهر قرص الشمس وهو يميل نحو الغروب مقتربًا تدريجيًّا من قمة الهرم، حتى يبدو للناظرين وكأنه يجلس فوق قمة الهرم.
وورد ذكر هذا اليوم بالإشارة إليه ضمن أحداث قصة نبي الله و كليمه ''موسى عليه السلام'' ومبعثه وأخاه ''هارون - عليه السلام'' إلى آل فرعون، وطلب فرعون بحشر السحرة من سائر مدائن وأقاليم مصر الـ42، وجعل موعدهم (يوم الزينة)، يقول تعالى في سورة القصص على لسان نبيه ''موسى'': ''قَالَ مَوْعدكُمْ يَوْم الزّينَة وَأَنْ يُحْشَر النَّاس ضُحًى''.
ويقول مؤرخون أن تاريخ خروج اليهود من مصر جاء أيضا في نفس اليوم في العام التالي تقريبا، لذا يحتفل اليهود بنجاتهم من جيش فرعون و غرقه في ''عيد الفصح اليهودي''، أما في العقيدة النصرانية؛ فهذا اليوم يتوافق مع قيامة ''يسوع'' بعد صلبه، وشمه لنسائم الهواء مرة أخرى، لذا يحتفل به أتباع المسيحية في ''عيد القيامة''.
''شم النسيم'' يوم خاص بالحضارة والشخصية المصرية، وارتبط أيضا بأطعمة تعود جذورها لعادات غذائية أصيلة في المجتمع المصري القديم، ''السمك'' القادم من نهر النيل كان الغذاء المفضل لدى المصريين، وكان ''التمليح'' أحد طرق حفظ الطعام لديهم، فكانوا يأكلون الأسماك المملحة، و التي تحولت عبر الزمان إلى ''الرنجة و الفسيخ و السردين و الملوحة''.
الخضروات أيضا وثيقة الصلة بعادات المصريين الغذائية، وكانت مكملا غذائيا هاما لإكساب بنية المصري قوته و صلابته، فكان ''الخس، السريس، الجعضيض، النباتات الورقية'' حاضرة دائما على ''سفرة الفرعوني القديم'' وحتى الآن لا تزال تراها على سفرة ''الصعايدة والفلاحين''، وهم أكثر أهل مصر حفاظا على المكتسبات الثقافية منذ الفراعنة.
أما ''البيض'' فكان له مدلول فلسفي وعقائدي عميق لدى الفراعنة، فهو يرمز لخروج الحياة من الجماد، وهو تجسيد لأصل الحياة و الغذاء لديهم، لكنهم لم يكتفوا بأكله فقط، بل تفننوا في إضافة لمسات جمالية لديه لعشقهم للزخرفة و الجمال، وكان يقوم بهذا ''الأطفال''، مستخدمين ألوان طبيعية مثل ''الحلبة و البصل والكركم'' وغيرها من الطبيعة المصرية.