كتبت - نوريهان سيف الدين:
صوت من أجمل الأصوات المصرية، وأكثرها تجديداً على الساحة الغنائية، بصحبة ''الخال الأبنودي'' استطاعوا مزاحمة ''العندليب الأسمر'' على عرش الأغنية المصرية، وكانت ''عدوية'' هي مزاج عام للمستمع المصري وربما العربي، وكانت بداية شعبيته سببا لأن يقوم "العندليب" بتغيير لونه ويغني "كل ما أقول التوبة" والغناء ذو اللون الصعيدي بإبداع "الخال".
هو المطرب الراحل "محمد رشدي"، والذي تحل ذكرى وفاته الثامنة اليوم، اسمه الحقيقي "رشدي محمد"، مولود في العشرين من يوليو 1928 في "دسوق" إحدى قرى محافظة كفر الشيخ، حفظ القرآن الكريم في طفولته، وانتقل مع بداية شبابه للقاهرة ليلتحق بمعهد الموسيقى العربية، وكان وقتها يسمى "معهد فؤاد للموسيقى العربية"، و كانت أغنية "قولوا لمأذون البلد يجي يتمم فرحنا" هي أول أغنياته للإذاعة المصرية، و بداية تعارفه مع الجمهور.
بدايته الفعلية كانت مع "ملحمة ادهم الشرقاوي"، وهي أيضا التي سجلها "عبد الحليم حافظ" مرة أخرى بصوته، ودفعته لتسجيل ملحمة "بناء السد - حكاية شعب" لتحاكي شعبية الصاعد الجديد "رشدي".
"عدوية".. رائعة الشاعر الغنائي "عبد الرحمن الأبنودي"، وعبقرية موسيقية للملحن الشاب "بليغ حمدي"، ولون غنائي جديد قدمه "رشدي" للجمهور، جعلها لوقت طويل تتربع على عرش مبيعات الاسطوانات، ولا تنقطع إذاعتها من (الراديوهات) في البيوت و على المقاهي، و صار (اللون الصعيدي) هو المزاج العام لشباب المستمعين وقتها.
الثلاثي الناجح "رشدي والأبنودي و بليغ" أثاروا غيرة "العندليب الأسمر"، وبذكائه الفني وصل تفكيره أن التجديد من اللون الرومانسي والإيقاع الهادئ صار حتميا، و أن ذوق الجماهير فرض أمرا واقعا، فسعى لتقديم أغنية يؤلفها "الأبنودي" و يلحنها "بليغ"، و خرجت وقتها "كل ما أقول التوبة"، ثم يتبرأ "الأبنودي" في بادئ الأمر منها نظرا للإيقاع الموسيقي السريع الذي وضعه "بليغ"، ويقول : "أنها تليق أن تكون افتتاحية (سيرك) وليس موال صعيدي، ثم يقنعه العندليب بأنها طالما خرجت للجمهور فلا يحق لهم التعقيب عليها، و الذوق يبقى للجمهور".
أثبت "رشدي" خلال مشواره الفني أن الأغنية الشعبية هي مثال للرقي بالمستمع مهما اختلفت ثقافاته، وعمل على انتقاء الكلمة و اللحن، و كان للسينما نصيبا من نشاطه الفني، فقدم للشاشة الفضية عدة أفلام منها "السيرك، فرقة المرح"، كما شارك بالظهور بالغناء في مشاهد سينمائية منها فيلم "الزوج العازب" أمام هند رستم و فريد شوقي و محمود المليجي وعبد المنعم مدبولي.، وقدم ستة أفلام خلال مسيرته الفنية، كما قدم دور البطولة في فيلمي "عدوية و ورد و شوك" إخراج كمال صلاح الدين.
حرص "رشدي" على تقديم الحفلات الغنائية في "ليالي التليفزيون" واحتفالات نصر أكتوبر وأيضا الاحتفالات الدينية، وسجل بصوته تتر مسلسل "ابن ماجه" التاريخي الديني، وكان آخر ألبوماته الفنية بعنوان "دامت لمين"، وكان يسجله وهو يعاني مرضه الأخير.
توفي "محمد رشدي" عن عمر ناهز 77 عاما في إحدى مستشفيات القاهرة، بعد تدهور حالته الصحية جراء إصابته بالفشل الكلوي، ورحل عن دنيانا في مثل هذا اليوم الثاني من مايو 2005، تاركا إرثا غنائيا كبيرا، وأغنيات تعلق بها الجمهور لسنوات وسنوات مثل "عرباوي، ع الرملة، تحت الشجر يا وهيبة، طاير يا هوا، يا ليلة ما جاني الغالي، كعب الغزال، وهيبة، متى أشوفك" وغيرهم.