كتبت - عمرو رجب ويسرا سلامة:
لم يعرف سوى المعدات الثقيلة رفيقاً له في درب العمل، خط شعره الأبيض بين مصنع أصبح جزءاً لا يتجزأ من روحه، إنه ''حسين عيد إسماعيل''.. صاحب الخمسة وأربعين ربيعاً انتثرت هنا في مصنع ''تيتان'' ببنى سويف، وذلك بعد أن تم خصخصته وبيعة لشركة فرنسية في عام 1999 ومنها إلى شركة يونانية.
لم يكن يتوقع ''حسين'' بعد أن يفنى عمره بين جنبات المصنع، أن يخرج منه بهذا الشكل؛ فأكثر من عشرون عاماً فى العمل لم تشفع له بخروجاً أمناً يليق بعامل ماهر فى تخصص المعدات الثقيلة ، فوحش الخصخصة نهش فى جسده النحيل ، ليكون ضحية لوحش آخر أسمه ''المعاش المبكر''.
فى عُرف القانون ، المعاش المبكر اختيارياً، أما فى عرف مصنع ''تيتان'' ببنى سويف ، فكان للواقع كلمةً أخرى؛ حيث قامت الشركة بممارسة ضغوط على العمال فيها من أجل إجبارهم على المعاش المبكر وتقديم استقالاتهم ، نظير حفنة من الأموال ، والتي لم يستطع معها العاملون إنشاء مشاريع متوسطة او صغيرة تسمح لهم بمواجهة أعباء الحياة.
هذا ما حدث مع ''حسين'' و452 من زملائه فى مصنع ''تيتان'' ببنى سويف؛ حيث تم ''تسريحهم'' من العمل بحجة أنهم من العمالة الزائدة رغم الإنتاج المرتفع للشركة وأربحاها المتزايدة سنوياً، والعمالة الماهرة التي ليس لها بديلاً، فى مقابل تعيين عدد كبير من العاملين بالواسطة وبناءاً على المحسوبية والقرابة، بمرتبات خيالية، على حد قولهم .
لم يستطع ''حسين'' ومعه بعض من زملائه فى إنشاء مشروعات صغيرة أو متوسطة بالمبلغ الذى حصل عليه من المعاش المبكر؛ فهو لا يدرك سوى مهنته الوحيدة، ليواجه أعباء الحياة، ويكون ضحية لعملية نصب بعد شراء ''تاكسي''، لينتهى به المطاف عاملاً فى أحد المحلات.
حسين وزملائه لم يكونوا الضحية الوحيدة للمصنع؛ فمن خلف كل فرد فيهم أسر وأبناء تشردت هى الآخرى، بعد خصخصة المصنع وإجبار العمال بالطرق الملتوية على ترك العمل، وبعد سنوات من العمل الشاق فيه، كانت نتيجة تفوقهم فى العمل ونجاح المصنع أن يتم بيعه وبيعهم معه.
ملامح ''حسين'' تحمل ألواناً من الحزن؛ مثله مثل زملائه، ومنهم من لم يتحمل وطأة الظلم، مثل ''علاء شاكر'' الذى مات بعد إصابته بفيرس الكبد الوبائى، والذى لم يستطع تدبير علاجه، بعد خروجه من المصنع وتسوية معاشه.
وقفات احتجاجية واعتصامات كانت السبيل الوحيد لأبناء مصنع ''تيتان'' ببنى سويف من أجل المطالبة بالعودة مرة أخر إلى كنف مصنعهم، وعودة أرباح المصنع إلى خزانة الحكومة المصرية، وصلت فى أقصاها إلى 13 يوماً، لم ينالوا بعدها سوى إلقاء القبض عليهم .
يقول ''حسين'': '' عندما طالبنا من إدارة المصنع فقط بمساواتنا فى مكافأة نهاية الخدمة، أسوةً بباقى المصانع والشركات والتى وصلت الى 220 شهرا، فى حين اننا لم لم نحصل إلا على 45 شهر فقط، لم نلق سوى الرفض وإلقاء القبض علينا''.
''نادى سلطان سليمان''.. رفيق ''إسماعيل'' الأخر في المصنع وفى المحنة أيضاً، بعد أن أمضى 14 عاماً وسط المعدات والآلات، والذى لا يزال يبحث عن عمل هو الآخر، بعد أت تركه المصنع دون عمل وورائه 4 أفراد من أسرته.
يقول ''سليمان'' :'' كنت من مؤسسين للشركة فى عام 1990، عندما كانت قطعة أرض فضاء وقمنا ببنائها على اكتافنا، حتى جاء القرار الظالم ببيع المصنع إلى شركة يونانية وتشريد مئات العمال بعد إجبارنا على تسوية معاشنا''.
ويتابع ''سليمان'' فى مرارة :''بعد كل هذا العمر من العمل فى المصنع، اتقاضى معاشاً شهرياً قدره 360 جنيهاً، لا يكفون سوى بضعة أيام قليلة لطعامى أنا وأسرتى ''.
لا يحلم ''حسين'' و ''سليمان'' ورفاقهما فى الدرب الشاق فى مثل هذا اليوم، بغير عودتهم للعمل، وأن يحقق رئيس الجمهورية ''محمد مرسى'' وعوده فى حماية حقوق العمال، وأن يساعدهم فى توفير الحد الأدنى من احتياجاتهم .