كتبت - دعاء الفولي وإشراق أحمد:
''نصلح وابور الجاز''.. صوت كان يوما ما يملأ الشوارع بهذه الكلمات، وينتظر الكثير من النساء أو أصحاب المحال أو حتى المنازل المصرية بشكل عام مجرد سماعه حتى تسرع الأيدي لإحضار الباجور؛ فلم يكن هناك غنى عنه، لذلك ملأ المحال وتخصصت له الورش.
وربما ينتاب البعض الاستغراب، والبعض الآخر الحنين أو اعتبره الآخرون جنون لمجرد ذكر استعمال الباجور، فماذا عن وجود ورشة لتصنيعه.
وقفا أمام محل داخل ممر ضيق إلى حد ما بمنطقة الناصرية؛ ''جمال عبد الناصر'' الأب صاحب الورشة ومُعلم '' الصنعة لأبنائه ''، و''محمد'' الابن الذي بلغ حبه للعمل منذ أن وقف مع والده عام 1994 إلى أن '' سيبت المدرسة عشان الشغلانة دي، أخدت الدبلوم''.
قرب مدخل الورشة التي امتلكها ''عبد الناصر'' منذ الستينيات، كانت هناك طاولة خشبية حيث وقف '' محمد'' الابن أمام نار لهب مشتعل وبيده إحدى أجزاء '' السبرتاية'' التي تستخدم لعمل القهوة عليها، وجواره أحد البواجير المصنعة داخل الورشة وعدد من الأجزاء المستخدمة لتصنيعه، أما بالجانب الآخر كان عدد آخر لكنه مغلف بأكياس بلاستيكية وفي انتظار وضعه بالعلب الكارتونية كالتي ملأت أعلى الورشة.
ورشة '' الوابور'' لا يعود تاريخها إلى ''جمال'' فقط ولكن إلى قبل ذلك، حيث عمل ''جمال'' عند صاحب الورشة الأصلي ثم اشتراها منه وإخوته ليصبح مالكها منذ ذلك الوقت، فهو كما قال ''أنا طلعت كده لقيت نفسي صنايعي في الورشة''.
'' الوابور الأول، كان في 142 ورشة لكن دلوقتي انقرضت وده خلى ورشة أو اتنين اللي شغالين'' هكذا تحدث '' جمال'' الأب عن حال صناعة البواجير، نافياَ تفكيره في تغيير مهنته بل تطويرها '' لما فكرت أغيرها عملت ورشة تانية للخراطة، بنعمل حاجات الوابور وحاجات تانية''.
''جمال'' الأب يمكنك القول أنه سقى ابنه '' محمد'' حب وتفاصيل المهنة، فتجده يتحدث عنها بشغف وعلم جيد، فيخبرك عن أهمية إعطاء الصناعة حقها لأن '' الوابور ده يعتبر قنبلة موقوتة في البيت لأنه بيتملي غاز لما يتشغل الوابور بنديه نفس وفي بالف جوه يكتم النفس ولو البالف ده فيه حاجة أو اللحامات مش مظبوطة صح ممكن الوابور يضرب ''.
وقال محمد إن تصنيع الباجور لا يأخذ الكثير من الوقت فهو يصنيع حوالي 200 باجور في الأسبوع ولكن هذا خاضع لحال العمل '' لو حالة الشغل ماشية كويس وفيه شغل في الورشة ممكن نضغط نفسنا، أنا معايا اتنين اخواتي تانيين بيشتغلوا في ورشة خراطة تبعنا في بولاق، لكن لو فيه ضغط بييجوا كلهم هنا وبنشتغل سوا مع الأربع صنايعية اللي عندنا''.
ورشة جمال وأبناءه تعمل على تصدير البواجير خارج مصر حسب احتياجات الأماكن والظروف فمثلا '' بنصدر لسوريا والأردن عشان المخيمات اللي تبع الأونروا ومنظمات حقوق الإنسان، ولغزة وقت ما يتقطع عنها الكهرباء، فمعظم الشغل يطلع برة مصر''، كما أن أسعار البواجير تتفاوت تبعاً للكمية المطلوبة، حيث أكد محمد أن '' لو الطلبية فيها ألف باجور فالسعر يبقى حوالي 105 جنية للباجور''.
ورغم أن مهنة تصنيع البواجير أوشكت على الاندثار إلا أن ''آل جمال'' يحاولون التقدم عكس اتجاه الزمن وتوزيع إنتاجهم في أكثر من محل خاصة، وأنه لم يبق بمصر كلها سوى مكانين أو أكثر قليلاً لصناعة البواجير، إذ قال محمد ''احنا بندي لمحلات كتير في أكتر من مكان، وبيجيلنا ناس يشتروا من الأقاليم والأرياف لأن فيه ناس غلابة ولسه بيستعملوا البواجير''.
لا يتوقف '' محمد'' مع والده وأخوته على العمل للتفكير في إدخال الجديد على المهنة حتى لا تتوقف لذلك فكروا في إنشاء موقع الكتروني ''عندنا موقع تحت الإنشاء على الإنترنت عشان الناس تتواصل معانا واللي يجي من برة يجي علينا على طول ويبقى عارفنا''، قال محمد.
وأكد الابن '' محمد'' على استيراد أجزاء في جسم الباجور من الخارج سواء الهند أو الصين كـ ''البلف'' الذي يتم الضغط عليه عدة مرات ليعمل الباجور وبدونه لا يعمل، ولذلك فقد قرر استيراده لأن '' أنا عندي ورشة خراطة وممكن أعمله هنا، بس بتاع برة أمان أكتر وانضف، عشان كدة بنستورده''.
المرة الأولى التي بدأ فيها محمد وأبيه تصدير البواجير كانت عام 1994 فهم على حد قول محمد '' بدأنا نصدر أول مرة كان للسعودية في موسم الحج، وفضلنا نصدر لهم لحد سنة 97 وبعد كده ودينا لكذا مكان، ودلوقتي بنودي بواجير لليونان و شرق أفريقيا وأماكن تانية كتير''، وبالتالي فحال الركود الذي أصاب الكثير من المهن بعد الثورة لم يؤثر بشكل كبير على تجارة جمال وأولاده لأنهم يتعاملون مع الخارج بشكل أكبر.