كتبت - نوريهان سيف الدين وإشراق أحمد:
لعلها هي أغنى شوارع القاهرة وأكثرها ثراءً، فرغم الحواري الضيقة؛ إلا أنها تحوي على جوانبها أكثر من 70% من إنتاج الذهب في العاصمة، وذلك من خلال أكثر من 40 محل وورشة لإنتاج وصياغة الذهب، بالإضافة إلى ورش ومحال الفضة والأحجار الكريمة.
منطقة الصاغة القديمة أو كما تشتهر بـ"شارع الذهب"، هي أقدم الأسواق التجارية في مصر، يرجع تاريخ إنشاؤها إلى دخول الفاطميين لمصر، استمرت في جذب الصائغين وتجار الحلي لتكون أكبر مركز لصياغة وبيع شراء الذهب في قاهرة المعز، وظلت حتى يومنا الحالي أكبر أسواق الذهب، وبها محال شيوخ الصاغة منذ قديم السنين.
شيخ الصاغة "الحاج القصبجي" كما يلقبونه قال إن هذه المهنة توارثها أبا عن جد، وأجداده عملوا بالصاغة منذ سنين طويلة، وأغلبهم كان يسكن في مناطق الحسين والجمالية وباب البحر والموسكي، وهي مناطق مجاورة لمنطقة الصاغة.
وذكر "القصبجي" أن سوق الذهب كانت رائجة حتى سنوات قريبة قبل "الجنيه الذهب" وانخفاض سعر العملة، وأن التجار كانوا ينتظرون مواسم حصاد المحاصيل الزراعية ليأتي الفلاح لشراء الذهب كـ"شبكة" لتزويج أبنائه، أو كـ"صيغة " يدخر فيها أمواله بدلاً من الودائع البنكية، وتكون سهلة التعامل في البيع أو الرهن وقت الحاجة.
"نشتري الذهب القديم بأفضل الأسعار".. كلمات تم تعليقها على جانب عارضة محل بالصاغة، ولم يكن المحل الوحيد بل عدد ليس بقليل جاءت عارضته خالية من أي شيء سواء ذهب أو فضة لا يوجد سوى زجاج خالي وتلك الكلمات أو ورقة كتب عليها "بيع وشراء دهب كسر" .
ولن يمر سير أي فتاة أو سيدة بشارع الصاغة دون أن يتردد على أسماعها "تبيعي دهب"؛ فالحال أصبح عكسي بالصاغة، لم يعد يقتصر على بيع الذهب للزبائن بل شرائه منهم، نظراً لارتفاع أسعار الذهب على كل من البائع والمشتري.
"هاني" - صاحب أحد محلات الذهب بالصاغة - وقف جوار عارضة محله الممتلئة على عكس حال "الصاغة" وقال: " الحال ماشي الحمد لله السنة دي أحسن من اللي فاتت؛ لكن أهو طالع ونازل بس مش زي الأول دلوقتي محدش بقى يقدر يشتري شبكة على بعضها كتير بيكتفوا بـ"دبلتين وخاتم"، حال البلد كلها كده واقف نعمل إيه".
بينما اكتفى أحمد عبد العزيز - معروف بالصاغة بأنه "خبير ألماظ" بكلمات قليلة: "الحالة ماشية بتعرج"، وارتسمت على ملامحه الضيق من الحال.
ومن ناحية أخرى، سيطر على الصاغة القديمة "ماركات" الذهب العالمية الخاضعة للمجلس العالمي للذهب، وكادت الورش اليدوية أن تختفي بين طيات حواري وأزقة الصاغة.
ويرى "أحمد مدبولي" - صنايعي بالصاغة - إن " قليل جدا من يأتي الآن ليطلب قطعة "عمولة" لأنها تحتاج لشغل ومهارة، وكمان بتحتاج مصنعية عالية، وغالباً ما يكون الشغل العمولة في تركيب فص أو حجر أو إصلاح قطعة ذهب تكون في الأصل مصنوعة يدوياً، وهنا نحتاج شهادة الفص أو فاتورة الذهب لنتأكد من عدم سرقته، خاصة إن كان سبيكة ويريد صاحبها صهرها وتحويلها لشكل آخر".
مداخل الصاغة الأربعة هي "الموسكي" و"الغورية" و"العطارين" أو مدخل خان الخليلي للقادم من ناحية المشهد الحسيني، ومدخل "النحاسين" و "بيت القاضي" للقادم من اتجاه بوابة باب الفتوح وباب النصر، وأشهر وكالات الصاغة هي "وكالة أبو الروس" و"وكالة الجواهرجية" بحارة اليهود بمنطقة الموسكي، أما أشهر تجارها فكان اليهود والأرمن.