كتبت - نوريهان سيف الدين وإشراق أحمد:
قبة خضراء صغيرة اعتلاها هلال ذهبي اللون، اتخذت مكانها في ركن ضيق بحيث يمكن رؤيتها فور الدخول أو الخروج من بوابة ''الفتوح'' التي تعد مدخل لشارع المعز لدين الله، وكلمات سطرت بالأسود أعلى الباب الخشبي المتخذ طريقه أسفل تلك القبة ''ضريح العارف بالله سيدي الذوق''.
لعلك سمعت يوماً تلك المقولة ''الذوق مخرجش من مصر''، وأخذك المعنى القريب إلى ''الذوق والحس وفنون الإتيكيت الشعبي''، وما تربينا عليه من موروثات ثقافية طيبة، إلا أن الكثير لا يعرف أن ''سيدي الذوق'' لم يطاوعه قلبه للخروج من مصر، وفارق الحياة قبل أن يخرج من ''بوابة الفتوح'' غاضبا وآسفا على حال مصر .
في وقت قديم ربما يعود لعهد الدولة المملوكية، كان يعيش رجل عُرف بصلاحه ورجاحة عقله، ارتضاه رجال ''المحروسة'' حاكماً يفض ما نزع بينهم من مشاحنات، وكان اسمه ''حسن الذوق''، عاش ''حسن'' سنوات في الحي القديمة بجوار الأزهر الشريف ومسجد ''الحسين''، يمارس مهنته في التجارة، ويقضي بين الناس بالعدل والإنصاف.
وذات مرة نشبت منازعة بين ''فتوات المحروسة''، وفشل ''حسن'' في الصلح بين المتخاصمين، ووصل الأمر إلى ''الحاكم العسكري'' في ذلك الوقت، الذي وضع الفتوات في السجون بدلاً من أن يتم التراضي بين المتخاصمين، فأحس ''حسن'' بأن حكمته بدأت تتهاوى وحَزن على ما وصل إليه حال ''المحروسة''، و قرر أن يخرج منها لا يعلم حتى إلى أين وجهته.
قلب ''سيدي حسن الذوق'' لم يتحمل فراق ''المحروسة''، وعلى بعد بضع خطوات من ''بوابة الفتوح'' خر ميتا، وحزن الناس عليه، وقرروا أن يدفنوه؛ حيث وقع، وبالفعل؛ دفنوه خلف الردف الخشبي لـ''بوابة الفتوح - حيث كانت الجيوش تخرج للقتال''، ودهنوا مقامه بذلك اللون الأخضر.
زوار الشارع أغلبهم لا يعرف ما سر هذا ''المقام الأخضر'' الصغير، البعض يعتقد أنه ربما لولي أو أحد الدراويش، والبعض الأخر يقول أنه لأحد أفراد آل البيت، لكن أهل المنطقة يعرفون أنه لرجل كان يحكم بين الناس بالعدل، وقالت سيدة كبيرة جلست على رصيف الشارع وخلفها المقام، تفترش بضاعتها من ''الليمون'' إنه ''حد مات ومحدش هيفتكر مين بيموت ومين بيعيش''، ونسي الناس ''الذوق'' وقصته وبقيت العبارة المشهورة ''الذوق مخرجش من مصر''.