كتب - محمد مهدي:
هدوء رتيب، وجوه ناعسة، أخرى مرهقة، أصوات الباعة الجائلين تصدح بمغازلة بضائعهم في محاولة يائسة منهم لإيقاظ ركاب قطار الخط الأول من مترو الأنفاق، ليصعد في محطة ''الشهداء''، طفلان يملكان ملامح شقراء، ونظرات خاوية، ممسكين بأيديهم علب بها قطع من الحلوى الصغيرة، ينادي أصغرهم بصوت شامي واهن: ''حلويات سورية.. حلويات سورية''، ليخطفا أنظار وانتباه الجميع، وسط همهمات تتحسر على ما آل إليه حال الطفلين السوريين.
تستوقفهما سيدة عجوز، تتساءل في خجل '' أنتم منين'' ليجيب الأكبر ''المتحدث الرسمي'' باسمهما ''من سوريا''، تبتسم لهم المرأة وتردف ''عايشين فين هنا''، ليرد الأكبر مرة أخرى بلغة عربية فصحي ''حدائق المعادي'' ثم يتركها لينطلق مع أخيه في أنحاء العربة، بندائهما المتكرر ''حلويات سورية''.
يحاول أحد الركاب أن يعطيهم نقود معدنية بدون أن يحصل على حلوى، ليرفضا في كبرياء مرددين ''بابا قالنا منخدش حاجة من حد''، وينصاع لهما الرجل في بداية الأمر، لكن سرعان ما يتمكن من اقناع الطفل الأصغر، بأن يأخذ النقود في غفلة من شقيقه.
يغادر الطفلان العربة، بينما تنهال اللعنات على ''بشار الأسد'' الرئيس السوري، في أحاديث جانبية عدة، دارت بين ركاب القطار، محملين نظامه القمعي، تشريد آلاف من الأسر من منازلهم، هاربين من سوريا خوفًا من بطشه، إلي بلاد لا رزق فيها ولا مأوى، في مواجهة مستقبل ضبابي قاسي.
بينما يتحسر شاب على ما انتهى به مطاف أبناء سوريا، ما بين إعلانات انتشرت تروج لزواج المصريين من فتيات سوريات مقابل أموال زاهدة، أو بيع الحلويات السورية في الميادين والشوارع كباعة جائلين، أو تسريح أطفالهم في محطات مترو الأنفاق لكسب قوت يومهم، في بلاد تلفظ أبنائها، فكيف لها أن تتقبل آخرين حتى لو انتسبوا إلي رحم واحد وهي شجرة العروبة.