شكلت ندوة الثقافة والحداثة محطة بارزة ضمن سلسلة من الندوات الفكرية والثقافية التي دأب منتدى الفكر والثقافة والإبداع على تنظيمها طيلة أيام الدورة الأولى من مهرجانه بصمات فنون المدينة بطنجة.وقد كان ضيفي شرف هذه الندوة كل من عبد السلام بنعبد العالي وموليم العروسي وسير الندوة الناقد عزالدين الوافي الذي صرح ان بنعبد العالي قدم مدخلا أساسيا حول علاقة فلسفة العلوم بالمعرفة العلمية حيث أبرز القيمة الدلالية لمفهوم القطيعة بين ما أسماه بالفكر التقليدي والتقليد الفكري حول مثلث محوري مكون من عناصر ثلاث ألا وهي:الذات،الهوية،والذاكرة واضاف اوافي ان "العالي " ركز على الحداثة بإعتبارها منطلقا أساسيا يعيد الإعتبار للقطيعة مع العديد من المحطات ومن ضمنها الثوابت اليقينية والعبارات اللغوية والحقائق والعادات التي أعادت النظر فيما أسماه بضبط تاريخ الأفكار كنمط وجود ضمن شبكة من العلائق القائمة على إنشطار الوعي, مضيفا غير أن هذا المنحى لا يلغي بالضرورة التاريخ والهوية المركزية للذات ٫إنما هو محاولة لعدم السكون لذات ثابتة ولكنهاتقبل بسياق التنوع في إطار التفرد مقابل التعدد والإنطواء مقابل الإنفتاح والثبات مقابل الحركية وميز المتدخل بين التجديد والتحديث معتبرا أن القطيعة خاصية الكائن لكونها تستمد خصوصياتها من المعرفة المتغيرة داخل الزمن.وأشار إلى أن ميزة الهوية الثقافية هي التفاعل مع ما يخالفها في الفضاء العالمي وأشار في سياق تقريب المفهوم مثالا لحنى أرندت وذكرها للحبل السري بإعتباره إتصالا داخل الإنفصال عن٫. جسد الأم وختم مداخلته مذكرا أن التحديث ليس بالضرورة إستنساخا لنماذج مستوردة إنما هو الوعي بأهمية القطيعة في الإنطلاق نحو بداية متجددة تجعل من الهوية حركة دائمة بين الأنا والآخر كفضاء للتواصل والإختلاف
أما موليم العروسي فقد أنطلق تحديدا من المجال الفني كي يرصد تجليات وتقاطعات الثقافة بالحداثة مكملا ما خلص إليه بنعبد العالي حول القطيعة لكنه ركز بالأساس على فن التشكيل والصورة,مبرزا المحطة المحورة لمداخلته والمتجلية في كيفية إنتقال الفرد الفنان من التصوير إلى التعبير.مؤكدا على أن مفهوم الفردانية والحرية لم يتحققا إلا عندما تحرر الفنان من سلطتين حسب تعبيره:سلطة الماء المتجلية في النص الديني وسلطة الأرض المرتبطة بالمضمون السياسي.
وقد قدم موقع الفنان على مسار تاريخ الفن حيث كان الفنان تابعالآراء السابقين المؤسسي ,ولكي نفهم حسب العروسي سياقات الحداثة وعلاقتها بالفن والإبداع لا بد أن نضع في إعتبارناتداخل ما هو فكري بما هو سياسي وإجتماعي حيث أن الحداثة منت الفنان من لتخلص من مرجعية الكنيسة والميثولوجيا والأساتذة الكبار لبناء رؤية جديدة حول العالم. وذلك بفضل ثورات ثلاث:الثورة الفرنسية ،الثورة الأدبية والفنية التي حصلت مع عصر النهضة ثم والثورة الفلسفية وبذلك إنتقل الفنان من وضعية المقلد إلى وضعية الفنان المستقل والمسؤول خارج سلطة النصوص التاريخية
.وقد أستطاع الفنان الأوروبي أن يحرز على إستقلاليته من هاته السلط بفضل قدرته على التأويل وبفضل الكوجيتو الديكارتي الذي ركز على قدرة الفنان على خلق الفكر كما أشار إلى روسو بإعتبار الفرد ذاتا بيولوجية أولا وأن التسربات الثقافية هي التي تعيد تشكيله
بعد ذلك توقف العروسي عند مرحلة الكلاسيكية الجديدة مستدلا بشهادة جان لوي دافيد وعندمؤسسي النهضة الإيطالية أمثال مايكل أنج،ودافينشي،ورافاييل التي تابعت سلسلة من القطيعات مع ما كان يعتبرا فنا حقيقيا وصو.لا إلى مؤلف هيغل الذي خلق نوعا من الرجة في كيفيى تمثل الجمال والمتعة من خلال كتابه علم الجمال أواخر القرن الثامن عشر وفي الوقت الذي أبرز فيه المتدخل قيمة الفردانية كقيمة محورية للمرور من مفهوم التصوير المرتبط بالمذهب الطبيعي الذي يكتفي بنقل الواقع والطبيعة أكد على أن التعبير يمر بالضرورة عبر نقل الدواخل على اعتبار أن الجمال الفني أو الروحي قد يكون أجمل من الجمال الطبيعي وبالتالي فإن ولوج الحداثة افنية أصبح مرتبطا بمعنى حرية الفرد وطبعا كان لموليم العروسي وقفة تأملية حول علاقة ما ورد في حديثه بالعالم العربي متسائلا هل الفنان العربي والمغربي تحديدا حداثيا بالفعل؟ وما هي حدود إنفصاله وإتصاله بما هو سياسي وديني؟ معتبرا أن هناك محطات تاريخية حداثية بالفعل في كل من الشام ولبنان أمثال كتابات جبران وغيره وقد أبرز أهمية الموقف الجمالي والتعبيري لكل من الجيلالي الغرباوي وفريد بلكاهية مؤكدا على أهمية التعبير التجريدي والتجربة الذاتية حيال الإستعمار وتأكيد الفردانية في ربطها بما هو موقف من الفن والتراث وقد ختم مداخلته فاسحا المجال أما إشكاليلة أرحب وأوسع تتعلق بالأصالة في العمل الفني.