غزة - (اذاعة هولندا العالمية):
على مدى الأيام القليلة الماضية قامت الشرطة التابعة لحكومة حماس في غزّة بحملة تستهدف تسريحات الشعر ''الغريبة'' والبناطيل الضيقة التي يرتديها لفيف من شباب القطاع.
الحملة في شقها الرسمي المعلن عنه كانت دعويّة تقودها ''الكتلة الاسلاميّة''، الذراع الطلابي لحركة حماس تحت عنوان ''أخلاقي سر نجاحي''. أوردت الكتلة على موقعها الرسمي عددًا من السلوكيات التي اعتبرتها خاطئة ولابدّ من محاربتها، وعددًا آخر من السلوكيات الايجابيّة التي ستحاول تعزيزها عبر عملها في الجامعات والكليات. الوسائل المتبعة، وفق ما يرد في بيان الكتلة، ستكون مدنية وستخاطب عقل الشباب.
حملة دعوية
على أرض الواقع، لم تكن الحملة دعويّة ومقتصرة على الجامعات بل كانت حملة عنيفة يصاحبها قمع عشوائي لعدد من الأفراد الذين يجمع بينهم أنّهم لا يعجبون الحكومة وليسوا على مزاجها.
مخاطبة عقل الشباب اتّضح أنها تعني، في حقيقة الأمر، ضربهم على رؤوسهم إذ تعرض شباب على أكثر من حاجز ونقطة في مناطق مختلفة من غزّة للحجز والضرب وحلق الشعر بماهيّة ترمي إلى التشويه.
الشاب طارق النقيب، 17 عامًا، روى في تسجيل بثّ على اليوتيوب تفاصيل ما تعرّض له من تعنيف وقصّ للشعر على يد أفراد من الشرطة. بعد رفضه الصعود إلى مركبة الشرطة، تعرّض النقيب للضرب وتم اصطحابه بالقوّة إلى مركز الجوازات الكائن في وسط القطاع. بعد محاولته الاتصال بوالده، جُرّد النقيب من هاتفه النقال وبعض ملابسه قبل أن يقدم أحد أفراد الأمن على حلاقه جزء من شعره. عندما اتصل والد طارق بالمركز لكي يستفسر عن سبب اعتقال ابنه، جاءه الرد بأنّهم سيعملون على ''جعله رجلاً''.
المركز الفلسطيني لحقوق الانسان كان قد أصدر بيانًا استنكر فيه هذه الممارسات وطالب النائب العام في غزّة بفتح تحقيق في الموضوع. كما أورد البيان افادةً لأحد ضحايا حملة الحكومة الأخيرة يسرد فيها تفاصيل اعتقاله مع 12 شابًا آخرين ونقلهم إلى مركز شرطة الشجاعيّة قبل أن يتم قص شعورهم واجبار بعضهم على التوقيع على تعهد بعدم عمل تسريحات شعر غريبة أو ارتداء ما يتعارض مع عادات وتقاليد الشعب الفلسطيني.
نفى مستمر
كعادتها، نفت الحكومة على لسان رئيس المكتب الاعلامي الحكومي ايهاب الغصين وجود حملة رسمية او تعليمات صادرة للشرطة أو أجهزة أمنية أخرى، ووضّح أن ما يحدث هو حملة دعويّة مدنيّة. هذا النفي لم يكن مفاجئًا إذ دأبت حكومة حماس على نفي أيّ صفة رسمية عن كل التجاوزات بحق الحريات العامة والشخصيّة التي حصلت وتحصل في قطاع غزّة. تحت مبررات التصرفات الفرديّة، والتعهدات بفتح تحقيق لا يفضي إلى أية محاسبة، تخلط الحكومة الغثّ بالسمين، وتحاول التغطية على الفعل المشتبك مع الفرد وحقّه في ممارسة حياته بحريّة.
عبّر الشباب الفلسطيني الناشط على الشبكات الاجتماعية عن استيائه البالغ مما حدث ونشروا، بجهد تكاملي، كل ما يثبت تجاوزات الحكومة ويوثقها. المدونة علا عنان، وهي مدونة فلسطينية مقيمة في غزّة، نشرت على مدونتها مقالاً يوثّق كل التجاوزات وأفعال القمع السلطوي التي أقدمت عليها حكومة حماس من العام 2011 وحتى يومنا الحاضر. ناشطون آخرون تناقلوا شهادات كتبها بعض ضحايا الحملة على الفيس بوك، في حين نشر خالد وليد أغنية راب على حسابه الشخصي على يوتيوب ينتقد فيها الحملة ويحرّض الشباب على رفض هذه الممارسات وعدم تلبية استدعاءات الحكومة أو السكوت على قمعها.
يضيق الحيّز الخالي من أي سلطويّة في قطاع غزّة الضيّق بكثافته السكانية الأكبر في العالم. تحدي الحريات في غزّة يزداد صعوبة يومًا بعد يوم، ويبدي كثيرون رفضهم لأي محاولة لالتماس العذر للحكومة تحت أية اعتبارات وطنيّة. إنها معركة مفتوحة، يقول البعض، في حين يسخّف البعض الآخر ما يحدث ويعتبره غير ذي صلة لاسيّما وأن الشعارات الكبيرة تجبّ كثيرًا من التفاصيل الصغيرة.