كتبت - دعاء الفولي:
كان النشاط يبدو على ملامحها وعلى حركتها التي لا تهدأ؛ ابتداءً من ترتيب ''البضاعة'' للعرض وحتى إفراغ الحقائب مما فيها من ملابس وأحذية وحديثها الفضفاض الغير منقطع مع زبائنها الذين لا يتوقفون عن البحث والتنقيب في الملابس ليجدوا فيها ما يناسب، حتى إذا ما وجدوه يأتي دور ''الفصال'' في أسعار الملابس التي تبيعها والملقاة بشكل عشوائي فوق ''الفرشة'' المفرودة على الأرض.
''الفرشة'' هي رأس المال الحالي الذي تعيش منه ''آمال'' وأبنائها في مراحلهم التعليمية المختلفة، والملابس المستعملة هي ما تبيعه وتحاول ترويجه وجعله أرخص كي يشتريه الناس حتى لو وصل بها الأمر في النهاية أن تبيع دون هامش ربحي أو بالخسارة، على حد تعبيرها.6
''بشتري الهدوم المستعملة من الوكالة، بقيت بشتغل في الشغلانة دي من ست شهور بس عشان الفلوس''.. قالتها ''آمال''، مؤكدة أنها ''كنت بشتغل في الملابس الجاهزة عادي وكان عندي محل في بيتي لكن قفلته بعد شوية عشان مكنش جايب فلوس كويسة واضطريت أشتغل في الملابس المستعملة؛ لأن الفلوس اللي بحتاجها عشان أشتري بضاعة مستعملة أقل بكتير من البضاعة الجاهزة''.
الاحتياج للبيع هو ما يجعل ''آمال'' تخرج من بيتها الموجود بالهرم فجر كل اثنين من كل أسبوع لتذهب لسوق الاثنين بمنطقة ''كرداسة'' بالهرم؛ حيث تصبح ظروف البيع هي المتحكمة في بقائها بالشارع أو ذهابها لمنزلها مبكراً، فكما قالت ''النهاردة بايعة كله بخسارة عليا، أصل البيع بيبقى حسب الظروف والناس كمان بتفاصل معايا في أسعار الحاجات مع إنها مش غالية''.
''جنية واحد'' هو سعر أي شيء تبيعه ''آمال'' سواء أكان من الملابس أو من الأحذية إلا أن أسعار ''الحقائب'' الحريمي تصبح أغلى من ذلك ليصل سعرها إلى سبعة جنيهات ونصف لكن مع ذلك ''الناس برضو مش عاجبها الأسعار بس مش بمزاجهم، الناس معهاش تشتري''.
رغم أن ''آمال'' تستقبل التعب الناجم عن وقوفها في الشارع بالساعات للبيع بصدر رحب إلا أن ذلك لم ينسيها أن مهنتها الأصلية هي ''التدريس''؛ فهي ''أنا خريجة بكالوريوس خدمة اجتماعية واشتغلت مدرسة فترة وكنت ماسكة 3 فصول كاملة بس سبت المهنة عشان مفيهاش فلوس وعشان أشتغل تدريس وأخد فلوس كويسة يبقى لازم في مدرسة خاصة''.
نبرة ''السخرية'' التي خالطت صوت ''آمال'' كلما جاءت سيرة مهنتها الأولى لم تخفِ نبرة ''الحزن'' حين قالت إن شقيقتها التي تشاركها في مشروع بيع الملابس المستعملة ''بكالوريوس هندسة''، لكنهما استعاضتا بالعمل في ذلك المشروع عن دراستهما الأصلية بسبب ظروف الحياة.
''الحال يتعدل والدنيا ترجع تمشي''.. هي الجملة التي عبرت بها ''آمال'' عن آمالها وأمانيها للمستقبل؛ فهي لا تريد أن يزداد الأمر صعوبة خاصة وأن حال البيع أصبح أقل بكثير سواء بالنسبة لها أو على مستوى ''سوق الاثنين'' بشكل عام.