كتب - نوريهان سيف الدين:
المكان القديم تمت تسويته بالأرض، اختلطت جدرانه المحطمة بأشلاء ودماء أطفال أبرياء كانوا يوما أمل آبائهم وأمهاتهم، وأمل بلدهم أن يصيروا ناجحين يوماً ما، لكن العدو الإسرائيلي لا هدف لديه سوى التخلص من هذا الأمل، والتخلص من كل مقاوم له سواء أمامه مباشرة، أو سيكبر يوماً ويقاومه ويأخذ حقه على أرض وطنه.
''مدرسة بحر البقر''؛ حيث شن الطيران الإسرائيلي ضربته ضدها، ونسفها مستخدماً خمس قنابل صبيحة يوم الثامن من أبريل عام 1970، رداً على حرب الاستنزاف التي شنها جيش وشعب مصر لاسترداد أرض سيناء المغتصبة منذ ''حرب الأيام الستة'' و''نكسة'' الخامس من يونيو 1967.
المدرسة ظلت وقتاً طويلاً حطام، أرض ليس عليها سوى الأثر المتبقي للمبنى القديم، ونقلت المدرسة إلى أرض مجاورة للمبنى القديم تحت اسم ''مدرسة شهداء بحر البقر'' تخليداً لذكرى 50 طفلاً استشهدوا جراء هذا العدوان، وأيضاً أكثر من 50 آخرين أصيبوا إصابات بالغة .
''زينب السيد إبراهيم عوض وأخوها محمد السيد إبراهيم عوض، أحمد أنس الباشا، طه عبد الجواد طه، عادل مصطفى خميس، سامي إبراهيم قاسم، كحلاوي صابر فتحي حسين، نجاة محمد حسن خليل، ممدوح بدر على محمود، محمد حسن إمام محمد''.. وغيرهم الكثير كتبت أسمائهم على نصب تذكاري أقيم على مدخل قرية ''بحر البقر''؛ حيث المدرسة القديمة التي كانت يوماً مكونة من طابق واحد وثلاثة فصول دراسية، وتضم 150 طالباً من أبناء القرية الصغيرة التابعة لمركز ''الحسينية'' بمحافظة الشرقية.
المكان من المفترض أن يتحول إلى ''مزار سياحي'' يشهد على جريمة الجيش الصهيوني بحق الأطفال والمدنيين، خاصة وأن المدرسة الجديدة تضم فصلاً تحول إلى ''متحف'' يضم ''مرايل، شنط، كراسات ومقتنيات'' الأطفال التي كانت معهم أثناء قصف مدرستهم، وأيضاً يضم المتحف ''قنبلتين'' لم تنفجرا بعد، مسامير وأجسام حديدية كانت ضمن القنابل المنفجرة'' وأيضا ''عروسة لعبة'' صغيرة ملطخة بالدماء استشهدت صاحبتها وتركتها شاهدة على غدر الجيش الإسرائيلي بها وبزميلاتها.
لكن بدلاً من تسليط الضوء الإعلامي والجماهيري على هذا المكان، عانى تجهيلاً شديداً، حتى أن بعض مقتنيات المتحف قد اختفت، والبعض الآخر مهمل في صناديقه الزجاجية يعلوه التراب والإهمال، وبدلاً من أن تستكمل مصر القضية وتطالب بحقوق العشرات من تلاميذ المدرسة بوصف الحادث ''جريمة حرب و استهداف مناطق مدنية''، حرص النظام السابق في عهد ''مبارك'' على تجهيل القضية والتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وترك أهل القرية وأهالي الشهداء بلا اهتمام يعيشون على تبرعات الجمعيات الخيرية .