كتبت – سهر هاني:
''تمتلك عيني ''كاليجولا'' الامبراطور الروماني ، وفم مارلين مونرو '' هكذا قال عنها الرئيس الفرنسي الاسبق ''ميتران''، انها أول سيدة في تاريخ بريطانيا ترأس الحكومة بل وترأس حزب سياسي هو حزب المحافظين.
واليوم.. توفيت رئيسة وزراء بريطانيا السابقة مارغريت تاتشر، في لندن عن عمر يناهز 87 عاماً إثر اصابتها بسكتة دماغية، بحسب ما أعلن المتحدث باسمها.
وأثار خبر وفاة تاتشر حزن قادة بريطانيا، حيث قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، إن بلاده فقدت "قائدة عظيمة" بوفاة مارجريت تاتشر .
وكتب كاميرون على صفحته في موقع "تويتر" للتواصل الاجتماعي عبر الانترنت :"بحزن شديد تلقيت نبأ وفاة السيدة تاتشر .. لقد فقدنا قائدة عظيمة ورئيسة وزراء عظيمة وبريطانية عظيمة".
كما أعلن قصر باكنجهام أن الملكة إليزابيث الثانية حزنت لدى سماع النبأ وستبعث رسالة خاصة لأسرة الفقيدة
وتأتي شهرة مارجريت تاتشر كونها المرأة الوحيدة التي تولّت رئاسة وزراء بريطانيا واشتهرت بقوتها وصراحتها، كما أنها تولت منصب رئيس الوزراء لأطول فترة يمضيها شخص واحد في ذلك المنصب ببريطانيا منذ أوائل القرن التاسع عشر.
من ابنة "بقال" إلى رئيس وزراء
ولدت تاتشر في عام 1925 وبالتحديد في يوم 13 اكتوبر، وكان والدها صاحب محل" بقالة" ووالدتها تعمل بمجال "الخياطة"، وكانت حياتهم جافة بعض الشيء مما قد يفسر سياستها الاقتصادية الحريصة.
في سنة 1951 تزوجت من "دينيس تاتشر " ضابط المدفعية السابق ومدير عدد من شركات البترول ، وأنجبت تؤامان هما مارك وكارول.
وترأست حكومة بريطانيا من سنة 1979 إلى 1990، وكانت تاتشر اول رئيس للوزراء في بريطانيا يتخرج من مدرسة حكومية.
هي أول رئيس للوزراء يتم انتخابه ثلاث مرات متتالية، وفي عهدها أصبحت بريطانيا في طليعة الدول الصناعية الكبرى وارتفع دخل الفرد فيها، وقد عرفت تاتشر بدقة بياناتها وبراعتها الخطابية وأسلوبها المؤثر وصوتها الرزين .
المرأة الحديدية
لقبت مارجريت تاتشر بالمرأة الحديدة نتيجة لقراراتها الصارمة، وبدأ تلقيبها به عقب اضراب عمال المناجم مطالبين بزيادة رواتبهم وتقليل ساعات العمل، لكنها لم تستجب لهم وتركتهم في اضرابهم برغم خسارة الدولة من هذا الاضراب كثيرا الا انها اصرت على موقفها مما اضطر عمال المناجم إلى الرجوع لعملهم مرة اخرى ومن دون أي شروط !
تاتشر و ريجان.
رأت تاتشر ان افضل الطرق لرفاهية ونجاح بريطانيا اقتصاديا هو بعلاقتها الوطيدة بأمريكا، فقد كان التعاون الانجليزي الامريكي امرا مقدسا، وكان وراء ارتباطها الشديد بالولايات المتحدة هو اتفاقها مع رئس الولايات المتحدة حينها – رونالد ريجان – على المستوي الشخصي والفكري والعدائي نحو الشيوعية.
وقد امتدت العلاقة للدرجة التي جعلتها تقول للشعب الامريكي فى واشنطن 1985 " اننا نرى اشياء كثيرة بطريقة واحدة يمكنكم التحدث عن وجود اتفاق حقيقي بين العقول اننى لا اشعر ان هناك ما يمنع من وصف هذه العلاقة بانها خاصة جدا جدا ".
سياسات خارجية صادمة
نتيجة للعلاقة القوية بين تاتشر وريجان والتي انعكست بالطبع على علاقة بريطانيا بأمريكا، لم تحرك المملكة المتحدة ساكنا عندما قامت امريكا بغزو وقصف العديد من الدول
وقامت امريكا بغزو " جرينادا" وهو دولة مستقلة وعضو بالكومنولث البريطاني وبدون معرفة مسبقة من بريطانيا ومع هذا لم تعترض بريطانيا ، وايضا عندما قامت امريكا بقصف ليبيا في 1986 بل ان تاتشر كانت الوحيدة التي عرضت على ريجان من بين الزعماء الاوروبيين استخدام القواعد الجوية البريطانية برغم المعارضة الشديدة التي واجهتها من ابناء حزبها بل ومن حلفائها الغربيين.
وعندما اعلنت فضيحة ايران وهى عبارة عن صفقة بيع اسلحة امريكية واسرائيلية لإيران وتوجيه ارباحها لتمويل ثوار حركة "كونترا" التي كانت تقاتل آنذاك ضد حكومة "ساندينستا " في "نيكاراجوا" .. ساندت تاتشر، ريجان، معبرة عن ثقتها بأمانته الشخصية .
وحتى بعد تولى "بوش" الرئاسة وابتعاد ريجان عن الموقف السياسي ظلت تاتشر على ودها لأمريكا وكانت هي من ساندت "بوش" في قراره بمجابهة "صدام حسين" وشن حرب ضده لإجباره على الخروج من الكويت ويقال انها قالت للرئيس الامريكي حينها " تذكر يا بوش انه لا وقت للتردد" .
ولان العلاقة الانجليزية الامريكية كانت علاقة عطاء ومنح فقد منحت تاتشر في مقابل تعاونها حرية الاتصال المباشر او التشاور مع صناع القرار في واشنطن .
وعن علاقة العرب بها ، فقد تحول اعجابهم بشخصيتها القوية إلى صدمة عندما رأوا انحيازها إلى الجانب الاسرائيلي وعدم اهتمامها بالقضية الفلسطينية.
سقوط الأسطورة
شهدت القمة الاوروبية التي عقدت بروما 1990 بداية انهيار زعامة "المرأة الحديدية" فقد كان الهدف من القمة هو دراسة مقترحات تهدف لتخلي كافة الدول الاعضاء عن عملاتها المحلية في مقابل استخدام عملة واحدة اوروبية هي " اليورو " ، وقد فاجئت تاتشر الحضور باعتراضها الشديد الخارج عن النص ،مما اظهر عدائها نحو الشراكة الاوروبية.
وقد اثر ذلك بالسلب على حكومتها بدءا من استقالة وزير خارجيتها "السير جيفري هاو" المؤيد للوحدة الاوروبية ،وانتهاءً بتنحيها عن الترشح لدورة اخري لرئاسة الحزب بعدما قام بعض زملاؤها بإقناعها بالتنحي لانعدام فرصها في الفوز .
وفى يونيه 1991 اعلنت عن عزمها على التخلي عن عضويتها في البرلمان عقب القائها خطاب قوي في مجلس العموم ضد فكرة الفيدرالية الاوروبية والعملة الوحدة.
تعرضت تاتشر لعدد من السكتات وعوجلت بالمستشفى بعد مرضها في يونيو 2009. وكشفت ابنتها كارول في كتاب نشرته 2008 أن والدتها تعاني من خرف الشيخوخة مما جعل ظهورها في المناسبات المهمة نادرا، بل وجعلها غير قادرة على مواصلة الحديث واستكمال العبارات