كتبت - يسرا سلامة:
جلس ''أحمد'' وحيداً مبتسماً على الرغم من كل شيء؛ يحتسي كوباً من ''الشاي'' فى ساحة مستعمرة الجذام بأبو زعبل، متأملاً شريط حياته الذي يمتد للثمانية والخمسين عاماً أمام عينيه.
"أحمد عبد الفتاح" مواطن من قرية شبين الكوم بمحافظة المنوفية، جاء ليشارك مرضى الجذام فى المستعمرة نفس الألآم والمشكلات؛ فخارج المستعمرة المرض أكثر قسوة من داخلها، الرفض والنبذ والخوف أحياناً يدفع "أحمد" وزملائه للبقاء داخلها.
لا يزال "أحمد" يتذكر يوم دخوله المستعمرة جيداً، ظهر الأحد فى السادس عشر من مارس عام 1993؛ فعشرون عاماً لم تمحُ من ذاكرته تلك اللحظة التي انتمى فيها لمجتمع ذوى المرض النادر.
أحمد والمعاناة مع المرض
يقول "أحمد": "الجذام يأتى إما من فرحة شديدة أو من ضربة شديدة، وأنا من صغرى كنت فى فرح بنت عمتى فى البلد، وكنت أول مرة أضرب نار، وكنت لسه عندي 13 سنة، وقتها حسيت إن جسمي كله اتهز وأعصابى اتشدت، وبعدها ظهرت عليا أعراض المرض".
" كنت جاي بعملية فى رجلي، ربنا كرمنى بدكتور أسمه أحمد، قالى يا أحمد أنا همشى معاك بالعلاج الأول عشان رجلك تنشف، ولو العلاج فشل هعملك العملية، لإن المشرط لو ضرب أي عرق حتى لو سليم يعجزه، ما بالك المريض".. قالها "أحمد" بعدما قام أطباء المنوفية بتحويله إلى المستعمرة.
"محدش بيحس بالجعان إلا الجعان اللى زيه، لو أنتي قاعدة فى فيلا هتحسى باللى فى الشارع إزاي؟!".. قالها "أحمد" بعد أن أنهك جسده المرض ولم ينهك ذاكرته ولا إحساسه بالعزلة، طبيبه الأول كان مريضاً بالسكر؛ فشعر بألم المرض وجرحه، فساعده على ذلك بكل ما يملك.
ثلاث سنوات قضاها "أحمد" فى بلده لا يعرف طبيعة مرضه، حتى تطور ألمه بشدة وجاء إلى المستعمرة، يذهب بين الحين والآخر لزيارة أقاربه "احنا متجوزين ومخلفين وعيالنا عايشه معانا عادي، واحنا عايشين مع أهالينا، المرض بس محتاج وقاية".. هكذا قال "أحمد" حول مرض الجذام .
عاصر "أحمد" عدد كبير من رؤساء مستعمرة الجذام؛ فحفظ أسمائهم عن ظهر قلب، وكأنه مؤسس لمستعمرة تأوي مرض نادر، لا يمل "أحمد" من حكايات المدير "عبد الحكيم البرى"، و"أحمد رشاد"، وغيرهم؛ حيث يعرف حسناتهم وسيئاتهم كما يعرف مرضه.
"سامح" فلذة كبده الوحيد، يعيش معه ويؤنس وحدته بعد أن هجرته الزوجة منذ أن جاءه المرض؛ فمرضه يمنعه من استمرار العلاقة مع زوجته بالإضافة لكونه محجوز فى "عنبر 1" وله أيضا منزل فى "عزبة الصفيح".
حكاية "عنبر 1"
"عايشين هنا فى عنبر1، الحمد لله ربنا رضاني وأكرمنى فى كل شيء، أعطاني العربية والفلوس والشغل، لما جاني المرض حمدت ربنا عليه، بعدها صفيت كل أعمالي وشركاتي، وقلت كفا المؤمنين شر القتال واستنيت القبر".. قالها "أحمد" الذي يعاني من "الجذام" منذ أكثر من عقدين من الزمان.
وعن الحياة داخل المستعمرة، يقول "أحمد": "الناس هنا لها أخطاء مش ملايكة، لكن النظام السابق والفساد لسه مأثرين على الوضع، ونتمنى أن الأوضاع تتصلح، احنا نفسنا نغير نظرة المجتمع لمرضى الجذام، لأن دلوقتي فى وعي مش زي زمان".
أحمد والسياسة
كما لم يمنع المرض "أحمد" أن يعبر عن رأيه في ما يدور فى الأوساط السياسية؛ حيث أن "الناس قامت بثورة على حسنى مبارك ورجالته، بس لسه البلد زي المركب بتترنح من الشمال لليمين، كويس أن البلد بقى فيها كذا رأى، والمشكلة لحد دلوقتي البلد فى إيده، الناس بتوع الحزب الوطني فى كل مفاصل الدولة، لكن نفسنا نهده عشان حال البلد يمشي".
أما فيما يختص بالسياسة فيرى أن "محمد مرسى أعدائه كتير، والناس مش مدينه فرصة يعمل خطته، زي الشجرة مش هتطرح فى يوم وليلة؛ محتاجة وقت وجهد، بس الناس خايفه من الإخوان يكونوا زي الحزب الوطني ويسيطروا على الدولة".
يقضي عم "أحمد" معظم وقته داخل المستعمرة نهاراً، ومساءً يعود أدراجه إلى منزله الصغير في عزبة الأبيض بجوار المستعمرة، ليقضى وقته مع حفيدته "نادية" و"قمر"، لا ينتظر من الحياة سوى "ولي العهد" حفيده الذي سيحمل اسمه.