كتبت - نوريهان سيف الدين:
رغم الكاريزما الطاغية للزوج وشعبيته الجارفة، إلا أنها عاشت في الظل، واكتفت بدور الزوجة والأم داخل البيت، لم تلتقط لها عدسات التصوير سوى مشاهد قليلة بصحبة زوجها ''رئيس الجمهورية العربية المتحدة''، وقليل من الصور الشخصية تضم الأسرة والأقارب والأصدقاء، 18 عاماً هي عمر الزواج، ولكنها شهدت أحداثاً هامة في تاريخ مصر والوطن العربي وتاريخ ''أسرة ناصر'' أيضاً.
21 عاماً على وفاة ''تحية محمد كاظم'' قرينة الرئيس الراحل ''جمال عبد الناصر''، لم تذكرها الصحافة ولا الإذاعة حينها إلا بـ''السيدة الجليلة حرم رئيس الجمهورية''، ولم يكن لقب ''سيدة مصر الأولى'' معروف حينها، وهو اللقب الذي أطلقته السيدة ''جيهان السادات'' ومن بعدها السيدة ''سوزان مبارك''، لكن ''تحية عبد الناصر'' ومن قبلها السيدة ''عزيزة لبيب - قرينة اللواء نجيب'' لم يعرفا هذا اللقب، ولم يظهرا في الضوء كثيرا.
''تحية'' المولودة في 1920 لأسرة شيعية قادمة من أصفهان الإيرانية؛ فوالدها ''محمد كاظم'' تاجر السجاد والشاي، استوطن بمدينة طنطا مع غيره الكثير من الأسر ذات الأصول الإيرانية والشامية الوافدة لمصر مطلع القرن، وكوّن صداقات وعلاقات طيبة مع عائلات الغربية لترويج تجارته، وكان الشاب ''جمال عبد الناصر'' أحد أصدقائه المقربين الذي تعرف عليه في الإسكندرية، وتقدم لخطبة ''تحية'' وهو لا يزال طالبا بالكلية الحربية.
تم الزواج عام 1944، وأثمر عنه ''منى، هدى، خالد، عبد الحكيم، عبد الحميد''، خلال هذه الفترة عاشت ''تحية'' مع زوجها الضابط بالجيش المصري، و عاصرت معه ذهابه لحرب فلسطين وحصار الفالوجة، وعودته بعد النكسة وتكوين حركة ''الضباط الأحرار''، ثم قيام ثورة 23 يوليو 1952، وكيف أصبح زوجها ورفاقه مسئولين عن الوطن، وتحول زوجها لـ''قائد'' حالم بتحرير الوطن العربي؛ بل ودول العالم الثالث أجمع.
خلال هذه الفترة لم تمتلك الأسرة سوى ''سيارة أوستين'' كان قد اشتراها ''ناصر'' في منتصف حياته، ومنزل في ''منشية البكري''، وخلال هذه الفترة أيضا أثناء حياة الزوج، شرعت ''السيدة تحية'' لكتابة مذكراتها ثلاثة مرات، إلا أنها كانت كل مرة تتوقف عن الكتابة لسبب أو لأخر، حتى خرجت المذكرات للنور في كتاب بعنوان ''حياتي معه''؛ روت فيها حياتها مع زوجها ''الضابط والمحارب والرئيس.. والأب''، وألقت فيها الضوء على كواليس بعض الأحداث الهامة في حياة ''ناصر'' والأمة المصرية.
''23 يونيو 1954 - 28 سبتمبر 1970''.. هي الفترة التي عاشتها ''تحية'' كزوجة لرئيس الجمهورية، وهي الفترة التي تحولت فيها أنظار العالم إلى مصر كقوة إقليمية وروح ملهمة للتحرر، وأيضاً عاصرت مصر فيها 3 حروب في الداخل انتهت بـ''نكسة 67''، وتنحي الزوج، ثم إرادة شعبية تثنيه عن التنحي ليعود من جديد، وتبدأ فترة ''الاستنزاف''، ويرحل الزوج في سبتمبر 1970، وتعيش ''تحية'' 22 عاماً وسط بحر من الذكريات، حتى ترحل في 25 مارس 1992، وتوصي بأن تدفن بجوار رفيق عمرها في المقبرة الملاصقة لمسجده بمنشية البكري.