كتبت - نوريهان سيف الدين:
معاناة والدتها مع مرض السرطان كان دافعا لها لتتفوق حتى تقر عينها، وموتها بنفس المرض دفعها أكثر لتبحث عن علاج ينقذ البشر من ويلات هذا المرض الخطير والغامض حينها، ورغم أنها درست علوم الذرة، إلا أنها سخرت علمها لتجعل العلاج بالذرة مثل ''الاسبرين'' في متناول الجميع.
هي عالمة الذرة المصرية الراحلة ''سميرة موسى'' أو كما أطلقوا عليها ''مس كوري الشرق'' تشبيها لها بعالمة الذرة البولندية الحائزة على نوبل ''ماري كوري''.
ولدت ''سميرة موسى'' في الثالث من مارس عام 1917 بإحدى قرى مركز (زفتى – الغربية)، لأب من أعيان الغربية، عاهدها والداها بالرعاية منذ صغرها، وأتمت حفظ أجزاء من القرآن الكريم في سن مبكرة.
تعلمت الطفلة ''سميرة'' القراءة والكتابة ومبادئ الحساب في سن صغيرة، وأقبلت على قراءة الصحف والأخبار والاستماع لمجالس والدها مع أبناء قريته ومناقشاتهم في السياسة وغيرها، إلى أن قرر والدها الإنتقال للقاهرة لإدخال ابنته مدرسة ذات مستوى جيد، وبالفعل قدم إلى القاهرة واشترى فندقا صغيرا بحي الحسين ليكون عائده مصدر دخل الأسرة للمعيشة والإنفاق على تعليم ''سميرة''.
التحقت ''سميرة'' بمدرسة ''قصر الشوق'' الابتدائية بحي الجمالية، ثم بمدرسة ''بنات الأشراف'' الثانوية، وهي التي كانت تتعهدها بالرعاية التعليمية و النظارة رائدة التعليم ''الآنسة نبوية موسى''، وبفضل تفوق ''سميرة'' في جميع المراحل التعليمية وحصولها على المركز الأول في الشهادة ''التوجيهية الثانوية'' عام 1935، حصلت المدرسة على دعم من الحكومة المصرية كتشجيع على اهتمام المدرسة بأبنائها الأوائل.
نبوغ ''سميرة'' ظهر مبكرا، ليس فقط في التفوق في سنوات الدراسة و الحصول على المركز الأول، بل في قدرتها على إعادة صياغة كتاب ''الجبر'' الذي طبعته وزارة المعارف للمرحلة الثانوية بتأليف ''د/ على مشرفة''، وقامت بطباعته على نفقة أبيها و توزيعه على زميلاتها بالصف، وذاع صيته بين معلميها ومشرفي الوزارة نظرا لدقة صياغة المسائل الرياضية به.
كانت فريدة بين بنات جيلها، ففي وقت كان التعليم قاصرا على البيوت، خرجت هي وواظبت على المدارس حتى أصبحت الأولى على المملكة، وحين كانت ''كلية الآداب'' هي حلم الفتيات أمثال ''نبوية موسى ودرية شفيق'' وغيرهن، اختارت ''سميرة'' كلية ''العلوم'' بالجامعة المصرية، واجتمعت بأستاذها و مرشدها الروحي ''د/ علي مشرفة - أول عميد مصري للكلية''، واستطاعت لفت نظره بنبوغها و تفوقها، كما لفتت أخبارها سمعه في دراستها الثانوية حينما أعادت صياغة كتابه في الجبر.
أنهت دراستها الجامعية وكانت أيضا ''الأولى'' على دفعتها، ومن أجلها؛ خاض ''د/ مشرفة'' معركة في أروقة الجامعة للسماح بتعيين ''معيدة فتاة'' بالكلية، وهو ما تحقق بالفعل، و استعادتإنجاز عدد من الأبحاث لدراسة إمكانية تفتيت المعادن الرخيصة ''كالنحاس''، والحصول على طاقة هائلة منها.. وكان وقتها أنباء صناعة ''القنبلة الذرية'' تملأ العالم أثناء الحرب العالمية الثانية.
على خطى أستاذها ''مشرفة'' سارت تلميذته النجيبة ''سميرة''، وذهبت إلى بعثة دراسية لإنجلترا وأمريكا، ورأت كيف للدول المتقدمة أن تفرض قراراتها و تبسط نفوذها لفضل السلاح النووي، وتمنت أن يمتلك العرب علم الذرة والنواة ويستخدموه في صناعة التقدم، إلا أن الاستعمار لن يسمح لهم بذلك.
''علاج السرطان'' كان دائما هدفها وفاءً لأمها الراحلة، وتمنت أن يتم تطبيق نتائج بحثها في تفتيت النحاس واستخدام طاقة الذرة في تدمير خلايا السرطان، وكانت تقول دائما ''أتمنى أن يكون العلاج بالذرة متوافرا مثل الإسبرين خصوصا للفقراء''، كما كانت عضوا في كثير من اللجان العلمية المتخصصة علي رأسها ''لجنة الطاقة والوقاية من القنبلة الذرية التي شكلتها وزارة الصحة المصرية.
تسلط الضوء على الشابة المصرية الصغيرة صاحبة أبحاث الذرة و الطاقة، وأصبح في علم المؤكد أن العرب طالما امتلكوا مثل هذه العقول حتما سيمتلكون سلاحا نوويا، لذا كان الحل هو الشراء بالمال أو ''التخلص من سميرة''، عرضوا عليها منصبا أكاديميا وبحثيا في الجامعة بأمريكا، إلا أنها رفضت و أصرت على الرجوع للبحث والتدريس بالجامعة في مصر، وأصبح الخيار الوحيد هو ''اغتيالها''.
في أغسطس عام 1952 وأثناء تواجدها بالولايات المتحدة، تلقت دعوة للحضور و زيارة معمل بضواحي كاليفورنيا، وبالفعل جاءها السائق واصطحبها، وأثناء السير على الطريق الجبلي قفز السائق واصطدمت السيارة بشاحنة كبيرة و سقطت من فوق الجبل، وتوفيت ''سميرة'' في الحال، و كان عمرها يوم توفيت في 15 أغسطس 1952 هو ''35 عاما'' فقط، وأشارت دلائل التحريات و التحقيقات إلى ضلوع ''الموساد'' في قتلها بعد إصرارها على العودة لمصر وتدريس نتائج أبحاثها بالجامعة.