كتبت - نوريهان سيف الدين:
''العصيان المدني''.. ربما لا يعلم القارئ أنه ''اختراع مصري فرعوني''، ظهر على أرض مصر منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام في نهاية عهد الأسرات الفرعونية؛ ففي فترة حكم الملك "بيبي الثاني"؛ والذي طالت فترة حكمة لمائة سنة، ووقعت البلاد في براثن الفقر والبطالة وسيطرة الأمراء وكهنة المعبد، قام "عمال المحاجر" بأول "عصيان" في تاريخ مصر والعالم كله، ودفعوا باقي أرباب الحرف للتوقف عن العمل، والتوجه إلى "المعبد الملكي" والدق على أبوابه لإجبار الملك لتنفيذ مطالبهم، وهو ما تحقق بالفعل.
بعد أكثر من 3000 سنة، يأتي "ألتراس المصري"، ويدفع أبناء المدينة الباسلة "بورسعيد" للقيام بعصيان مدني، خرج فيه الجميع عن صمتهم مطالبين برفع الظلم والقصاص لأبناء المدينة، ونفي تهمة العار بعد أحكام القضاء في قضية "مذبحة ستاد بورسعيد"، مؤكدين أن "بورسعيد" لا زالت تقع تحت ظلم مستمر منذ عهد مبارك وحتى الآن.
بورسعيد تدخل يومها الخامس تحت راية العصيان، وطاف أفراد "الجرين إيجلز - ألتراس المصري" أرجاء المدينة بما فيها منطقة ديوان عام المحافظة المقاربة للسوق التجاري القديم والأحياء المجاورة، وطالبوا التجار والموظفين بالامتناع عن العمل والنزول سلمياً للشوارع لحين البت في أمر المدينة، ونجحوا لدرجة كبيرة في توحيد كلمة المدينة.
مخاطبة ود المدينة لتخفض "راية العصيان" بدأ اليوم، ونشرت وسائل الإعلام خبرا عن الدكتور محمد مرسي - رئيس الجمهورية - ونيته تقديم قانون لمجلس الشورى بعودة "المنطقة الحرة" ببورسعيد، وهو مطلب طال انتظاره منذ أن ألغيت المنطقة الحرة في عهد الرئيس السابق "مبارك"، وكأنها "عقاب" للمدينة وسكانها على محاولة اغتياله أثناء زيارته لها.
"العصيان المدني" لم يكن ورقة خاسرة يلقي بها الشعب أمام النظام؛ فمصر شهدت عبر تاريخها الطويل عدة دعوات للعصيان المدني، بعضها تكلل بالنجاح والآخر مُنيَ بالفشل، أما الناجح منها فكان "عصيان ثورة 1919"، وكان رداً شعبياً قوياً على نفي زعماء الحركة الوطنية خارج مصر، و رفض مطالبهم المقدمة نيابة عن الشعب بتحقيق الاستقلال وكتابة الدستور وجلاء الإنجليز عن مصر.
حركات عصيان مدني وإضرابات شهدتها مصر في عهدها الأخير، وربما كان "إضراب عمال غزل المحلة" هو صافرة الإنذار بقرب رحيل نظام مبارك، وفيه كان التحدي وجهاً لوجه بين العمال وبين قوات الأمن، وتحطمت لأول مرة صورة "مبارك" وداسوا عليها بالأقدام، وهو ما تكرر في محاولة "إضراب 6 أبريل"، لتمر الأيام وتأتي ثورة 25 يناير، ومن ضمن مكتسباتها "أفكار الإضراب والعصيان" كوسيلة ضغط لتحقيق المطالب.