كتبت - نوريهان سيف الدين:
''لو لم أكن مصريا لوددت أن أكون مصريا، لا معنى لليأس مع الحياة ولا معنى للحياة مع اليأس''.. كلمات خالدة للزعيم المصري الأشهر ''مصطفى كامل''، رغم مرور أكثر من قرن على وفاته، إلا أن مبادئه الراسخة وحلمه بأمة مصرية قوية لا يزال ممتد أثره حتى اليوم.
آمن ''مصطفى كامل'' بدولة إسلامية كبرى تمثلت وقتها في ''الدولة العثمانية''، وكانت الدولة العثمانية حينها لازالت قوية قبل أن يحل الضعف في أوصالها قبيل الحرب العالمية الأولى، ومن ثم انهيارها وتصفية ممتلكاتها بين الدول المنتصرة في الحرب، ومن خلال صوته وقلمه الحر ظل يدعو لهذا المبدأ حتى قضى نحبه وهو لا يزال في ريعان شبابه عن عمر 34 عاماً.
''مصطفى كامل'' المولود في 14 أغسطس 1874 لأب تخطى سن 60 عاماً، عمل ضابطا بالجيش المصري في السودان، وأم عقيلة من ربيبات البيوت المثقفات، تفتحت عيون الصبي الصغير على الثقافة وحب الوطن، والتحق بـ''المدرسة الخديوية'' بالسيدة زينب في مرحلة الثانوية، وأسس فيها جماعة دينية خطابية، أصقلت فيها مواهبه الخطابية بشكل جيد.
ثم دخل ''مدرسة الحقوق'' في سن السادسة عشر عام 1891، وكانت مركزاً لتفريخ رجال الفكر والحقوق في هذا الزمان، حتى أنهم كانوا يطلقون عليها ''مدرسة الباشاوات''، وخلال هذه الفترة تعرف على عدد من الشخصيات الأدبية والصحفية أمثال ''الشاعر خليل جبران، ومؤسس جريدة الأهرام بشارة تقلا، والشاعر إسماعيل صبري''، وبدأ بكتابة مقالات في الصحف المصرية لا سيما جريدة الأهرام.
بعد عامين من دخوله ''مدرسة الحقوق''، قرر ''مصطفى كامل'' السفر إلى فرنسا لاستكمال دراسة الحقوق هناك، وواظب على القراءة والكتابة الأدبية وقام بتأليف أول مسرحية مصرية ''فتح الاندلس''، وكان يكتب أيضاً مقالات في الصحف الفرنسية يعرض فيها بشاعة الاحتلال البريطاني لمصر، و هو ما زاده شهرة بزياده هجوم السلطات الإنجليزية عليه.
''دنشواي 1906''.. حادث أثر في شخصية المصريين كثيرا، لكنه ألهب حماسة ''مصطفى كامل'' ليطوف الدول الأوروبية طالبا استقلال مصر وجلاء الإنجليز، ووقت وقوع الحادث كان ''مصطفى'' في مؤتمر بفرنسا، واستطاع عرض القضية المصرية ووحشية الاحتلال، والمحاكمات الظالمة بإعدام وجلد الفلاحين المصريين.
''إن الأمة التي لا تأكل مما تزرع وتلبس مما لا تصنع أمة محكوم عليها بالتبعية والفناء، وإن من يتهاون في حق من حقوق دينه وأمته ولو مرة واحدة يعش أبد الدهر مزلزل العقيدة سقيم الوجدان''.. ظل هذا شعاره حتى وفاته، وبجانب الاستقلال الاقتصادي، كان الاستقلال والنهضة التعليمية أولوية في فكر ''مصطفى كامل''؛ فسعى جاهدا في ''اكتتاب الجامعة الأهلية - جامعة القاهرة'' حتى خرجت للنور في 1907.
''تأسيس الحزب الوطني 1907''.. وهو الحزب الذي أنشأه مصطفى كامل برفقه صديقه المحامي والحقوقي ''محمد فريد باشا''، طالباً فيه باستقلال مصر وجلاء الإنجليز، كما رأى فيه ''كامل'' أن تبعية مصر للدولة العثمانية هي الأنسب لها لأنها تحقق حلم ''الجامعة الإسلامية''.
وفي غمرة انشغاله بقضايا الوطن داهمه المرض اللعين في رئتيه، وكعادة العظماء يرحلون صغاراً، توفي الزعيم والمحامي والصحفي ''مصطفى كامل'' في العاشر من فبراير 1908، تاركاً إرثاً ضخماً من النضال الوطني، وكلمات خالدة استلهمها فنان الشعب ''سيد درويش'' ليصبغ منها النشيد القومي ''بلادي بلادي لكي حبي وفؤادي''.