كتبت - نوريهان سيف الدين:
رقيقة كانت تلك الفتاة، مزدهرة وفريدة من نوعها في عصر كان لزاماً على الفتيات الالتزام ببيوتهن، ثقافتها تنوعت وكانت مضرب الأمثال ورمز احترام حتى بين الرجال، وكان ''صالونها الأدبي'' حافل دائماً بشموس الفكر والأدب والثقافة في زمنها الجميل، عشقت عن بُعد، وأثرت فن الرسائل العربية بكلمات خالدة بينها وبين محبوبها في الغربة ''جبران''.
11 فبراير.. هو الذكرى الـ126 على ميلاد الأديبة والشاعرة والمترجمة ''ماري إلياس زيادة'' المولودة في 1886 بـ''الناصرة''، لأم فلسطينية وأب لبناني، انتقلت الصغيرة ''ماري'' للبنان ودرست هناك، وجاءت لمصر عام 1907.
عكفت على القراءة والدراسة حتى التحقت بكلية الآداب بجامعة القاهرة، ودرست الأدب العربي والتاريخ الإسلامي والفلسفة، وكانت تتقن الفرنسية و الإنجليزية بجانب العربية، وأصدرت عام 1911 أول دواوينها الشعرية بالفرنسية بعنوان ''أزاهير حلم''.
اشتغلت بتدريس الفرنسية والإنجليزية، وزادت من معرفتها بالعربية و آدابها و فنون التجويد الأدبي، وكانت تنشر أعمالها منذ الصبا في الصحف المصرية بعد أن اتخذت لنفسها إسم ''مي''، وهذا ما سلط عليها الأضواء منذ سن مبكرة وازداد بصقل موهبتها الأدبية والشعرية عبر الدراسة وكثرة الممارسة.
كانت من الأوليات اللاتي عقدن ''صالون أدبي'' بمصر، وكان يعقد في الثلاثاء من كل أسبوع ويحضره أعلام الفكر والأدب أمثال ''طه حسين، أحمد لطفي السيد، خليل مطران، عباس العقاد''، وهذا الأخير الذي أحبها حباً جماً وذكرها في كتاباته، إلا أنها لم تحب طيلة حياتها سوى الشاعر والأديب والرسام ''جبران خليل جبران''، ورغم أنهما لم يلتقيا أبدا لكون ''جبران'' يعيش بالولايات المتحدة، إلا أنهما تبادلا أحاديث الهوى عبر الرسائل، وهي الرسائل التي أثرت اللغة العربية في العصر الحديث بهذا النوع من الفن الأدبي ''فن الرسائل''.
''مأساة''.. كان هذا الوصف الدقيق لحياة ''مي زيادة''؛ فبعد 12 عاماً من المراسلات مع حبيب بعيد لا أمل بالزواج منه، توفي جبران عام 1928، وعدت نفسها ''أرملته'' وارتدت عليه السواد، وبعده بثلاثة سنوات توفيت والدتها، وكانت الدعم الروحي لها .
واشتد ألم ''مي'' وتدهورت صحتها بشكل كبير، وزاد ألمها بعد أن أودعها أحد أقاربها ''مستشفى الأمراض العقلية'' في لبنان لفترة 9 أشهر، ولم يتركوها إلا بعد أن ثار لها أصدقائها، وشنت الصحافة حملة ضخمة كي يكفوا أيديهم عن الأديبة والشاعرة الكبيرة.
عادت للقاهرة وظلت تعمل بالتدريس بجانب نشر أعمالها في صحف ''الأهرام و الهلال و المقطم و المقتطف''، ومن أشهر أعمالها ''كتاب المساواة، كلمات و إشارات، الحب في العذاب، ابتسامات و دموع''.
سافرت ''زيادة'' إلى انجلترا لعلها تخفف من وحدتها واكتئابها، إلا أنها عادت ولم يتغير في حزنها العميق شيئا، وظلت هكذا حتى فارقت الحياة عن عمر 55 عاما في 14 أكتوبر 1941.