كتبت - نوريهان سيف الدين:
أطل علينا في المشهد الأول مساء الثامن والعشرين من يناير 2011، بعد اشتعال الثورة في صدور المصريين، وخروج الشعب للميادين في ''جمعة الغضب''، وملاحقة قوات الأمن لهم و سقوط القائمة الأولى من الشهداء.
الرئيس السابق ''مبارك'' أو ''المخلوع'' - كما لقبه المصريون، بعد أن كانت خطاباته تمتد لوقت طويل يسهب فيها بكلمات وفخامة لغوية، ويعدها له كبار كتاب صحافة النظام في عهده، وبعد ''يا راجل كبر مخك.. خليهم يتسلوا'' و الاستهزاء بالحراك الثوري ورفض الشعب لسياسات نظامه الفاسد، خرج بعد ''جمعة الغضب'' يحاول تدارك الموقف، مخاطبا ''الأخوة المواطنون''، معلنا استقالة حكومة ''نظيف'' وأسفه على سقوط ضحايا أثناء المظاهرات.
الخطاب الثاني جاء في ليل الأول من فبراير.. ''أقول بكل الصدق وبصرف النظر عن الظرف الراهن أنني لم أكن أنتوي الترشح لفترة رئاسية جديدة.. إن حسني مبارك الذي يتحدث إليكم اليوم يعتز بما قضاه من سنين طويلة في خدمة مصر وشعبها، إن هذا الوطن العزيز هو وطني مثلما هو وطن كل مصري ومصرية.. فيه عشت، وحاربت من أجله، ودافعت عن أرضه وسيادته ومصالحه، وعلي أرضه أموت، وسيحكم التاريخ علي وعلى غيري بما لنا أو علينا''.
''متلازمة ستوكهولم''.. مصطلح شاع بعد إذاعة الخطاب الثاني؛ فالكلمات المحسوبة والمنمقة التي اختارها ''مبارك'' ألقت الخوف من الاندفاع نحو الهاوية و السقوط في التخريب وإسقاط الوطن، وتعاطف الشعب مع جلاده بعد 30 عاماً من الخطابات و''الآذان في مالطة''، ونجح في تقسيم الشعب بين متعاطف معه و رافض لـ''سحر فرعون''.
تزداد حدة الاشتباكات ويلتهب الموقف، ولا تقدم حكومة الإنقاذ برئاسة ''شفيق'' سوى التصريحات ووعود بـ''افتتاح هايد بارك وتوزيع بونبوني''، ويتأزم الموقف مما يستدعي الدعوة لـ''حوار وطني'' برئاسة ''اللواء عمر سليمان'' - أول نائب لمبارك منذ توليه السلطة سنة 1981 - إلا أن ''ميادين الثورة'' ترفض المسرحية الهزلية وتستمر الثورة في الصعود.
الخطاب الثالث جاء مساء اليوم العاشر من فبراير، وفيه فقد ''مبارك'' كثيرا من بريقه فبدا هزيلاً مريضاً، وظهرت لحظات القطع والتسجيل أكثر من مرة في خطابه الأخير، والذي أعلن فيه تفويض صلاحياته لنائبه ''عمر سليمان''، وتعديل ست مواد دستورية هي المواد ''76 و77 و88 و93 و189''، فضلاً عن إلغاء المادة 179 من الدستور، مع تقديمه اعتذارات لأسر الضحايا والقتلى في الاحتجاجات الشعبية؛ وهو الخطاب الذي قابله متظاهري التحرير ''برفع الأحذية'' أمام شاشات العرض رفضا لتمسك مبارك بالسلطة.
وفي الساعة السادسة والنصف من مساء 11 فبراير 2011، ظهر ''عمر سليمان'' على الشاشات في خطاب مقتضب قال فيه ''أيها المواطنون فى هذه الظروف العصبية التي تمر بها البلاد قرر الرئيس محمد حسنى مبارك تخليه عن منصب رئيس الجمهورية، وكلف المجلس الاعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد والله الموفق والمستعان''.. وهو الخطاب الذي أثلج صدور الثوار برحيل مبارك وانتصار الثورة، وهو ما عرف جماهيريا بـ''خطاب الراجل اللي واقف ورا عمر سليمان''.
أكثر الخطابات تأثيرا في الثورة المصرية كان خطاب اللواء ''محسن الفنجري'' بعد تولي المجلس الأعلى للقوات المسلحة إدارة شئون البلاد، وفي هذا الخطاب قدم ''الفنجري'' التحية العسكرية لأرواح شهداء الثورة المصرية، وظل لوقت طويل عالقا في أذهان وعيون الشعب، مؤكداً على أن ''الجيش حمى الثورة'' في بدايتها.