كتبت- رنا الجميعي:
سمات وجهه تدل على هدوء يحظى به، جدية تُرى من خلال أحاديثه، وابتسامة بسيطة يفغر بها فاه كلما استدعى الأمر، إلا أن للرجل نوادره، رُغم يومه المُجدول بروتينه المعروف، ووظيفته الحكومية التي لا يحظى فيها بأية خروج عن النص.
نجيب محفوظ ''عازف القانون''
بدراسته في كلية الآداب، كان ''محفوظ'' محبًا لعلم الجمال، ولما لم يمتحن في عامه الثالث بالدراسة، قرر أن ينتهز قليلًا من فراغه لدراسة الموسيقى، واختار تعلم آلة ''القانون''، ورغم أنه انتظم في حضور الدروس، وتعلم النوتة، وأثنى المرحوم ''محمد العقاد'' باستعداده الموسيقي، وتنبأ بمستقبله كعازف قانون، إلا أنه بعد عام من الدراسة توقف، فقد اكتشف أنه لا صلة بين تعلم العزف وفن الجمال.
من حظ ''عبد الوهاب'' أني أصبحت كاتبًا
هكذا قال ''محفوظ'' في أحد مقالاته، فالموسيقى كانت تماثل الأدب حضورًا لقلبه، وكان الأديب يحفظ عن ظهر قلب أغاني سيد درويش وأدوار عبدالحي حلمي، كان صوته جميلًا ذلك الوقت، حتى أصدقائه كانوا يطلبونه سماعه، واختتم الكاتب المقال بـ''لو لم اكن كاتبًا لأصبحت مغنيًا''.
''أنا مش مؤلف''
مع التحاقه للعمل كسكرتير بوزارة الأوقاف أواخر الثلاثينيات، نصحه الكاتب ''كامل الكيلاني'' أن يخفي هويته ككاتب، حيث أن سمة العصر غير مهتمة بالفن والأدب، وبالفعل تستر ''محفوظ'' على هويته كمؤلف، وقال له الشاعر ''كامل الشناوي'' ذات مرة، وقد كان يهديه كتبه: ''لا يمكن أن تكون هذه هيئة أديب''، حيث اعترف الشاعر له بأنه لم يقرأ كتبه بعد لهذا السبب.
كان ''محفوظ'' سكرتيرًا للبرلماني ''الشاذلي باشا''، ومعروف عن هذا البرلماني الحزم والصرامة، وذات مرة أعد الأديب رد على استجواب موجه للبرلماني، ووضعه في مظروف، ثم وضعه على مكتب الوزير، بعدها رجع إلى مكتبه، وفتح مظروفًا آخر من المفترض أن تكون به قصة قصيرة قد كتبها، وكان عليه أن يسلمها في نفس اليوم لتنشر بمجلة ''الرسالة''، إلا انه وجد أن ذلك المظروف هو الرد على الاستجواب، وذهب ''محفوظ'' مندفعًا إلى مكتب البرلماني، رغم خطورة ذلك، لاستبدال المظروف، وهو ما نجح فيه، دون أن ينتبه الشاذلي إلى ذلك.
''أكتب عن الحب''
كانت تلك نصيحة شقيق ''طه حسين''، قالها له ذات مرة محققًا معه في وزارة الأوقاف عن روايته ''القاهرة الجديدة''، فبعد فترة علم الجميع بالوزارة أنه كاتب، ولما نُشرت الرواية سببت لهم إزعاج لنقدها الحكومة من موظف حكومة، وحينما حقق معه الشيخ ''أحمد حسين''، رد عليه ''محفوظ قائلًا :هذه رواية مثل التي علمها لنا أخوك طه، وقال له ناصحًا ''أكتب عن الحب أفضل وأكثر أمنًا''.
''علقة''
لم ينس ''محفوظ'' تلك ''العلقة'' التي قام بها والده، وهي المرة الوحيدة التي ضربه فيها أبيه، كانوا ببيت القاضي المطل على الميدان الملئ بالعساكر، وممنوع في ذلك الوقت فتح النوافذ، حيث يعتقد الإنجليز، أن تلك النوافذ يُمكن اطلاق منها الرصاص عليهم، وذات مرة قام الصغير بفتحها ليقلد حركاتهم وأصواتهم وهم يغيرون الطابور العسكري، وهو ما استدعى من والده ضربه وطرحه أرضًا.
''تحيا سعد''
كان نجيب في سن صغير حينما اشتعلت ثورة 1919، وكان ابن عمه يصطحبه وقتما يوزع المنشورات حتى لا يشك به أحد، وتوجه معه بعدها إلى ميدان عابدين حيث قصر الملك، وانطلق يهتف وسط المظاهرة الكبيرة ''تحيا سعد ... تحيا سعد''، فيما صحح له أحدهم ''يحيا سعد وليس تحيا سعد''.
''أم المصريين''
ذات مرة كان ''محفوظ'' يتظاهر بها حينما كان دارسًا للفلسفة، والتقى رجال البوليس في شارع القصر العيني، وجرى فيما جرى ورائه عسكري بحصانه، ظل يجري في شارع سعد زغلول حتى وصل إلى بيت الأمة، وقفز فوق السر، وفي اللحظة التي كان يهوى فيها داخل الحديقة، أمكن للعسكري أن يمسك بساقه، ووقع نجيب على أرض الحديقة، وذهبت فردة حذائه ليد العسكري، فيما استقبلته صفية زغلول تضمد جراحه.
السبت..''الأعلى للثقافة'' يحيى ذكرى نجيب محفوظ بحضور وزير الثقافة