كتبت– دعاء الفولي وإشراق أحمد:
قرر ''إيهاب حبيب'' الفيومي عام 2002، أن يحصل على منزل وقطعة أرض، يزرع؛ فيستقر، قدم على ما سُمي بـ''مشروع مبارك''، موقنًا أن فرصته عندما يحصل على خمس فدادين ومنزل 175 متر لن تعوض، حُسمت القُرعة التي تجريها محافظة بني سويف، كان اسمه ضمن الخريجين الفائزين، لم يعترض رغم تأخرها خمسة أعوام، لكنها عندما جاءته، حملت معها مشاكل أعمق، في نفس العام اتفقت المحافظة مع ''شريف عبد الحميد'' الذي استأجر قطعة أرض من أحد الخريجين التابعين للمشروع قبل ذلك، أن تعوضه مقابل تنازله عن اثنين ونصف من تلك الأفدنة المستأجرة، ليصبح في خانة ''المنتفعين'' كما أطلقت عليهم الدولة، إلا أن حال زراعته لم يختلف عن الخريجين كثيرًا.
قرية الأجيال هي المرحلة الثالثة من مشروع ''مبارك القومي لأراضي شباب الخريجين'' الذي بدأ قبل 18 عامًا، بمحافظات مصر المختلفة ومنها الفيوم، طالبت الدولة الخريجين باستصلاح الأراضي هناك عن طريق شراء خمس أفدنة، ومنزل بمبلغ 14 ألف جنيه، مقابل التنازل عن المهنة والتعهد بعدم العمل في أي مجال آخر سواء عام أو خاص للتفرغ للأرض، هذا ما فعله ''حبيب'' حينها، كان قد حصل على دبلوم الزراعة وانتهى من الدراسة بأحد المعاهد الفنية، ليعمل مدرسًا بعدها ''بس سيبت كل حاجة''.
في مساحة شاسعة من الأراضي تراصت المنازل، صغيرة لجانب بعضها، أحجارها تفرقت بشكل يسمح للضوء بالمرور داخل البيت المُعتم، خرسانته الداخلية تشققت، قبل أن يُسكن، فيما تدلت أسلاك الكهرباء من السقف تنتظر العمل، محطة الكهرباء التي تخدم القرية خاوية على عروشها من التيار، وكذلك أعمدة الإنارة اصطفت على جانبي طريق القرية دون لمبات.
106 عدد المنازل بالقرية المهجورة موزعة على الخريجين والتي لا تتفق مواصفاتها المكتوبة في محاضر تسليمها للخريجين مع الواقع، حيث جاء بها أن أساسات المنازل من بلوكات حجرية، والسقف خرسانة مسلحة، الدهان جير للحجرات، والأرضيات خشب ''موسكي سبرس''. وكُتب أيضًا بها أن الكهرباء موجودة بالمنازل وهو ما لم يحدث، في مقابل ذلك منعت وزارة الزراعة أصحاب المنازل من إجراء أي تعديل في المسكن سواء بالبناء أو الهدم للحوائط أو السقف، أو عمل أي تعلية فوق الأسقف لأنها لا تتحمل وفقًا لـ''الخريجين''.
''البيوت أشبه بالمقابر.. خفت أسكن فيها عشان حياة عيالي''، قال ''عبد الحميد''؛ من مسكنه بقرية الأنصار يخرج يوميًا للذهاب لأرضه التي يزرع منها 35% من مساحتها الكلية، ترتوي الأرض من المحطة الرئيسية عكس خريجي قرية الأجيال إذ ترتوي أراضيهم بمياه محطة 9 ''المياه من 12 سنة كانت كويسة بس بدأت تضعف مع الوقت''، اضطر ''عبد الحميد'' لتبوير النسبة الباقية من أرضه تدريجيًا وزراعة ما تصله المياه فقط ''كنا بنزرع قمح حاليًا بقينا بنزرع بنجر ودرة للمواشي''.
قرية الغرق بالفيوم حيث يقطن الرجل الأربعيني تبعد 30 كيلو عن الأجيال، يوميًا يذهب إلى أرضه، بين محاولة التواصل مع الجمعية الزراعية بالقرية، وإحضار لجان لفحص المنازل والأرض، أمل يتعلق به ''حبيب'' ولو كان ضئيلًا، في عام 2008 جاءت لجنة لفحص شكاوي الخريجين، أقرت بوجود مشكلة في البيت، ليرسل بعدها إلى رئيس اللجنة، لكن - حسب تعبيره - ''محدش عبرنا''.
من الأخطاء التي وجدتها اللجنة في المنازل، طبقًا لتقريرها -حصل مصراوي على نسخة منه- عدم وجود ملف هندسي لكل بيت يوضح كيف تم البناء، وعدم وجود كراسة لشروط المساكن الصالحة للسكن، كما أكدت اللجنة أن عملية بناء مساكن قرية الأجيال لم تتم بصورة المناقصة كما هو مفترض، وقد تكلف بناء المنزل الواحد 4000 جنيهًا مصريًا، مما لا يُعد ميزانية كافية.
حالة من اليأس تملكت والد الطفلين ''كرولوس'' 10 سنوات، و''مينا'' 3 سنوات، يحكي لهم عن الأرض والبيت الذي ينتظرهم، لا يرى الأطفال شيئًا ''كورولوس عارف الموضوع كويس وبيقولي أنا زهقت يا بابا من مشاويرك كل يوم''، كذلك تفعل الزوجة، تطالبه أحيانًا بالتنازل عن الأمر، بينما لا يجد ردًا على الصغير سوى ''هتأمن مستقبلك أنت وأخوك بعد كدة''.
لم يجد ''عبد الحميد'' وسيلة للشكوى بخصوص أرضه والبيت الذي لا يسكنه سوى الجمعية الزراعية بقرية الأجيال ''دي أكبر وسيلة ممكن أوصل لها وبيوعدونا إنهم هيعملوا ومفيش حاجة''، الحلول التي تطرحها الجمعية الممثلة لوزارة الزراعة تقتصر على عمل ''عمّرات'' لمحطة المياة الرئيسية، أو إمدادها بمحطة للطوارئ لضخ المياه مؤقتًا، وهذا ما يعتبره والد الأبناء الثمانية غير كافي ''إحنا نفسنا نشتغل ونفيد البلد''.
ومن جانبه أكد المهندس ''مجدي نوفل'' رئيس وحدة تنفيذ المشروعات بهيئة التعمير التابعة لوزارة الزراعة، أن الـ106 بيت بقرية الأجيال حالتهم سيئة بالفعل، عكس نظائرهم بقريتي الشروق والأنصار، موضحًا أن هيئة التعمير لم تُشرف على بناء بيوت ''الأجيال''، مما أدى للحالة المتردية التي قال عنها المهندس ''حاجة تكسف'' حسب تعبيره.
البيوت التي تم بناءها من طوب الحجر الجيري على حد قول المهندس لم تصل لتلك المرحلة لولا إقناع هيئة المراقبة والتنمية التابعة لوزارة الزراعة الوزير ''أمين أباظة'' حينها، ببنائها بأسعار أرخص من منازل القريتين الآخرتين ''المفروض في الأنصار والشروق تكلفة البيت بتبقى ما بين 16 ألف إلى 25 ألف''، يختلف ذلك حسب التربة المُقام عليها المنزل، بعضها يحتاج لتجريف وإصلاحات، خاصة كونها تُربة جبلية، رغم ذلك فقد وافق الوزير على بناءها بسعر ''4000'' جنيه تكلفة للبيت الواحد ''طبعًا لما تبني الحاجة بربع التمن هتأثر في المواد الخام والأساسات''، أدى ذلك للاستعانة بطوب الحجر، عكس بيوت الأنصار والشروق اللتي بُنيت بالطوب الأحمر الطفلي.
أما محطة الكهرباء الموجودة بالقرية والتابعة للهيئة، لا تعمل بسبب عدم وجود سكان بالمنازل ''لما بيسكنوا بيقدموا عقود لوزارة الكهرباء وبتدخل لكن بما إنه مفيش سكان فمفيش كهرباء''، الشكاوى التي قدمها أهالي القرية لم تصل الهيئة بعد، فيما لم تستطع الأخيرة محاسبة المتسببين في بناء البيوت على غير المواصفات ''لأنهم مش تابعين لينا عشان نحاسبهم''.
رئيس الوزراء الأسبق: مبارك رفض مشروع قناة السويس بسبب الإرهابيين