كتبت- نيرة الشريف:
ترتسم معاناة شعوب المنطقة على وجوه أطفالها، فحياة البؤس والخوف التي خلفتها الحروب التي تعيشها المنطقة منذ سنوات جعلتهم يبدون أكبر عمرا من عمرهم الحقيقي. وهنا نرصد الاطفال في فلسطين وسوريا والعراق.
أطفال قطاع غزة.. حياة ما بعد الحر
قامت الحرب، قتلت، دمرت، اغتالت، هدمت، لم تبق ولم تذر، ثم انتهت الحرب، وما لبثت أن تتجدد.. هكذا وبكل بساطة يبقي من رحل رقما في عداد الأخبار التي تتداولها وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، ويظل أطفال مستمرون على قيد الحياة غير أن قبسا من روحهم انطفأ، تركت القنابل والصواريخ والبيوت المهدمة والدماء المراقة في أنفسهم ما لا ينمحي أبدا.
كانت عيناها معلقة بدميتها ذات الحجاب والرداء الأحمر، هي أجمل من دميتها التي تعلق بها ناظريها، فقط يمتلئ نصف جسدها بالضمادات الطبية.. هي نجت واستطاعت أن تبقي هنا، ولم ينجو أيا من أفراد أسرتها، لم يبق لها حائط أمان سوي الدمية.. الدمية فقط.
منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية علي قطاع غزة، لم يمر يوم دون أن يتحول عدد من الأطفال إلي أخبار عاجلة في قصف يودي بحياتهم ويحول أجسادهم الصغيرة إلي أشلاء متناثرة.
في عيد الفطر تغير تعداد الشهداء علي المواقع الخبرية ووكالات الأنباء، بالزيادة يتغير التعداد، يزداد الرقم نحو عشرة أرواح أخري، جميعهم من الأطفال نتيجة استهداف مبني العيادات الخارجية بمستشفى الشفاء، واستهداف أحد المتنزهات في مخيم الشاطئ، كان يتواجد به عشرات الأطفال.
''مستقبل قاتم ينتظر 400 ألف طفل أصيبوا بصدمة جراء الحرب'' كان هذا تحذير بيرنيل ايرنسايد، رئيسة المكتب الميداني الذي تديره اليونيسيف في قطاع غزة، ليس الأمر إذن فيمن رحلوا فقط، الأمر أيضا فيمن يبقون.
ألا يحمل شكل عربة المرطبات البهجة لكل أطفال الدنيا؟ لم تكن بالنسبة له كذلك أبدا، فقد حملت جثمانه الصغير، كانت العربة بالنسبة له مستقره بعد موته وإلي حين دخوله قبره.
ثلاثة حروب في أقل من عشر سنوات، كان الأطفال في ثلاثتهم نسبة لا يستهان بها من الراحلين، ويكادوا أن يصبحوا أكثر المتضررين، فما من طفل إلا فقد قريبا أو عائلا، إلا سمع صوت انفجار أو رأي آثار دماء، ففي دراسة أعدها الدكتور جون برينغل، عضو في منظمة ''أطباء بلا حدود''، حول الآثار النفسية للحرب على أطفال غزة، ونُشرت عام 2006، أفادت بأن 98 في المئة من الأطفال، تعرضوا لاضطراب ما بعد الصدمة نتيجة الحرب، وأن النتائج النفسية للحرب على الأطفال كانت خطرة ومنهكة.
447'' طفلاً فلسطينياً استشهدوا في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة''، مشيراً إلى أن ''هذا العدد هو أكبر مما كان عليه أثناء العمليتين السابقتين معا''. هكذا صرح المتحدث الإعلامي باسم منظمة ''اليونيسيف'' كريستوفر تايدي، ويضيف ''يوجد بين الشهداء 277 ولداً و170 بنتاً تتراوح أعمارهم بين 10 و17 عاماً من بينهم 305 أطفال أو 68 في المئة تقريباً لا تتجاوز أعمارهم 12 عاماً فيما أصيب 2877 طفلاً بجروح''.
أطفال الايزيديين.. مأساة أن تختلف
أن تخرج من بيتك فارا إلي جبل حفاظا علي حياتك وحياة من حولك، كارثة لو كنت كبيرا، ومأساة لو كنت طفلا، لا تعرف شيئا كثيرا عن الواقع، وما ينسجه خيالك أقوي، فالرعب الكامن في خيالك أقوي وأشد ضراوة من الرعب الواقع حقيقة، هم يذبحون بلا هوادة، لا تأخذهم رفقة أو رحمة بصغير أو كبير، وإذا نجوت أنت، ربما سيكون تحت مقصلتهم بدلا منك رأس والدك أو أمك، وماذا عن ألم فكرة ذبح أمك أمام عينيك؟.
علي عربة نقل تويوتا صغيرة، تراكموا بأجسادهم التي يتناسب حجمها مع حجم السيارة التي تقلهم إلي حيث النجاة، فروا من نينوي شمال العراق إلي السليمانية في شمال شرقي العراق، أتستطيع عينيهم الصغيرة أن تعبر أكثر عن ألم التعرض للموت أم أمل النجاة منه.
خرج الأيزيديون من قراهم في شمال العراق، إلى جبل سنجار، وفي الطريق حفر النازحون الأيزيديون بأياديهم قبوراً جماعية لأطفالهم الذين فقدوا حياتهم من الجوع والعطش في رحلة الهرب من تنظيم ''داعش''.
ما لا يقل عن ستة أطفال تجمعوا في خيمة بالسليمانية، تكدسهم داخل الخيمة ليس أفضل حالا بكثير من تكدسهم علي العربة التي أوصلتهم لهذا البر الذي رجوا أن يكون آمنا، تشبث أحدهم بقوة بورقة ملونة كان بها بسكويت، لا زالت البهجة مقرونة بوجودهم مهما ساءت الظروف، ومهما كانت الحياة نفسها محل خطر حقيقي.
تقترب الإيزيدية من الزرادشتية، التي استوطنت فيما يعرف اليوم بدولة إيران وما يجاورها قبل مجيء الإسلام، الدين شبه التوحيدي الذي كان شائعاً لقرون في الإمبراطورية الرومانية، ولا يختلف الإيزيديون في طقوسهم عن فرس الهند، حيث تضاء شموع الإيزيدية في الاحتفالات الدينية كرمز لانتصار النور على الظلام.
ويؤمن الإيزيديون بإله واحد يُمثّل بسبعة ملائكة، واستناداً إلي التقليد الإيزيدي، فإن أحد هذه الملائكة، ''ملك طاووس''، قد بُعث إلى الأرض بعد رفضه الرضوخ لآدم، وهو ممثل في شكل طاووس، ولا يعتبر خيّراً تماماً ولا شريراً وفق اعتقاد الإيزيديين، لكن المسلمين من الخارج يعرّفونه على أنه ''الشيطان''. أما ''الدولة الإسلامية'' فبررت ذبح الإيزيديين انطلاقاً من قواعد وموقف تاريخي افترائي بأنهم ''عبدة شيطان''.
وأبدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة ''اليونيسيف''، قلقها البالغ لوفاة 40 طفلا من الأقلية الإيزيدية كنتيجة مباشرة لأعمال العنف والتهجير والجفاف بعد هجوم مسلحو ''داعش'' على قضاء سنجار غربي الموصل، وفيما بينت أن العائلات الهاربة من المنطقة تحتاج بشدة إلى المساعدة العاجلة، أكدت أن من بينهم 25 ألف طفل أصبحوا عالقين في جبال سنجار.
في سوريا.. لم تنته الثورة لتبدأ الحرب
لم يكتف الدمار برسم صورة متكاملة الأركان أمام عيونهم، كان ينقص المشهد حربا لا تضع أوزارها، حربا جاءت لتدمر ما بقي من أطلال ثورة استمرت لأكثر من ثلاثة أعوام كاملة، أطفال تركوا بيوتهم وشوارعهم ومدارسهم وأصدقائهم، ليجدوا أنفسهم في شارع بلد أخري ليست بلدتهم، ليحاولوا إغراء المارة بشراء حلويات بلدهم، هذا حال من استطاع السفر منهم إلي دولة أخري، بعض أقرانهم انتقلوا من هذه الحياة ''راحوا عند ربنا''، وهذا تعريف الموت لديهم، والبعض الآخر لازال بين أنقاض الدولة التي كانت في يوم ما وطنا.. هذا حال الأطفال السوريين.
لم يعرف كيف عليه أن يتصرف؟ كل ما يمكنه فعله بعدما تهدم كل شيء حواليه هو أن يصرخ.. يصرخ باكيا بكل طاقته وما يحمله في قلبه الصغير من حزن؟ لعل من لم يؤثر عليهم بشاعة هدم البناء فوق رؤوس أصحابه يتاثرون بصرخاته الصغيرة.
أكد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أن هناك أكثر من مليونين ومئتي ألف طفل سوري لا يتلقون التعليم، وأن هناك مدرسة من أصل خمس مدارس أصيبت بأضرار بسبب المعارك، وأضاف خلال نقاش في مجلس الأمن حول مصير الأطفال في النزاعات المسلحة، أن نحو 40% من المستشفيات العامة في سوريا لم تعد تعمل، وأن هناك مدرسة من أصل خمس مدارس أصيبت بأضرار، أو يقيم فيها أشخاص أجبروا على ترك منازلهم.
وهل يضير العالم أن يحل بكائهن محل ضحكاتهن المتتالية مرتفعة الصوت؟ هل سيوقظ من صور دموعهن ولم توقظه بعد صور دماء قريناتهن؟!
بحسب قاعدة بيانات شهداء الثورة السورية، استشهد حتى 31/7/2014 عدد أطفال يصل إلي 12 ألف 186 طفلا، لا تزيد أعمارهم عن 16 عاما، بينهم 8 آلاف و335 ولدا، و3 آلاف 851 بنتا