كتبت- دعاء الفولي وإشراق أحمد:
للمنزل جلال، لا يفتقده إلا من طُرد منه؛ لم تستطع أقدام المحتل الأمريكي أن تُبعده عنه قسرا، إلى أن فعلت ''داعش'' يوم قامت بتهجير مسيحي الموصل، خرجوا من بيوتهم دون معرفة بتفاصيل المنزل الجديد، حتى وضعوا أقدامهم بمدينة أربيل بإقليم كردستان على حدود العراق، يبتغون اطمئنانًا مفقودًا، ينام بعضهم بالكنائس، ويفترش آخرون المنازل والشوارع، وبينما هم على تلك الحالة يهفو لهم قلب إخوتهم في الإنسانية قبل الديانة بمصر، لم يجدوا طريقة للتعبير عن التضامن مع آل الموصل سوى قافلة تحوي دواء ومستلزمات معيشية وملابس، قد تخفف أوضاعهم، هي ما في وسع الكنائس المصرية.
لم يقتصر الأمر على طائفة واحدة بل اجتمعت الكنائس على إرسال المساعدات لمواطني الموصل بعد تهجيرهم من المنازل، على أن تصب المواد بكنيسة الكلدان بمصر الجديدة وكنيسة سانت فاتيما، هناك اجتمع الشباب بين صناديق المساعدات يجهزونها لتخرج في رحلة جوية الأربعاء القادم.
وسط الشباب الذين انشغلوا بتحضير الصناديق المختلفة، وقف مطران كنيسة الكلدان ''فيليب نجم'' يتابع سير العمل، يوصف حال مسيحي الموصل أنه ''كارثة إنسانية.. الناس تنام بالعراء''، ما يقارب الـ100 ألف شخص تم طردهم، دون أخذ متعلقاتهم الشخصية أو الأموال ''حتى الباسبورتات بتاعتهم أخدوها''، حتى الآن لم تفتح أي دولة عربية أبوابها لاستقبال ولو جزء منهم عدا مملكة الأردن التي سمحت بدخولهم لأراضيها ''ياريت الحكومة المصرية تسمح بدخول عدد منهم للإيواء''.
كما ميدان ''سانت فاتيما'' حيث تتواجد المطرانية كان الداخل؛ هدوء طبيعة المكان يكسره حركة، وإن كان ما بالبناء يختلف عن الحركة اليومية في الخارج، فرغم العمل المتواصل منذ الاثنين الماضي، وكثرة الصناديق الكرتونية الحاملة لأسماء الكنائس المختلفة، والأيدي المتلقفة للأشياء كان السكون سيد الموقف، لا يقطعه سوى ابتسامات والتقاط الصور لتسجيل تلك اللحظات، الجميع يركز على انجاز الأمر، ما بين خدام الكنيسة وراهبات وشباب تطوع للأمر، ولأن العبء الأكبر كان في البداية، تولى الشباب إنهاء تجهيز القافلة.
بالدور الأول من المطرانية، حيث غرفة يتخللها نور الظهيرة من النوافذ المحيطة بها، الأدوية تملأ المكان، وبالخلفية صور المسيح والعذراء، صوبهما تتحرك أيدي الشباب بالعمل، الذي بدا أنه أوشك على الانتهاء، مع اقتراب موعد السفر، فهنا يتم التجهيز قبل الانتقال إلى الدور الأرضي وتحميلها بالشاحنات.
بين مُطران كنيسة الكلدان بالعراق والمُطران المصري يتم التواصل بشكل شبه يومي، أحيانًا يكون هناك صعوبة في الاتصالات لكن عن طريقها يتم الوقوف على آخر الأوضاع ومعرفة الاحتياجات ''الكنائس فتحت أبوابها للناس يناموا فيها مش بس قاعات الكنائس.. لأ الكنيسة نفسها من الداخل عشان تضم أكبر عدد''، أكثر ما يُزعج المطران هي الأمراض التي قد تصيب المُهَجرين قسرا إذا استمر الحال كذلك، خاصة مع وجود مسنين وأطفال وأصحاب أمراض مزمنة كالسكري والربو، لذا تلك القافلة التي سيذهب بها ما 15 إلى 20 شخص لن تكون الأخيرة لأنها لن تغطي حاجات الأسر المنكوبة.
يتم التنسيق بين المطرانية والكنائس المصرية وكذلك يشارك في القافلة عدد من منظمات المجتمع المدني ومنها الأمم المتحدة، لكن ذلك لم يمنع حالة الاستياء التي بدت على المُطران ''فين الرأي العام العالمي والحكام العرب.. الضمير الإنساني هو فين؟''.
المسألة لا تتعلق بديانة بعينها لذا قال المُطران ''الدين مش وسيلة عشان نتحارب.. الإنسان اللي بيحكم بشرع الله والقرآن الكريم والديانات السماوية لا يمكن يظلم ولا يقتل باسم الله وهذا لا ينطبق على داعش''، مطالبًا علماء المسلمين بنبذ الخطاب الديني المتطرف والدفاع عن الدين الإسلامي ''اللي إحنا عارفين إن داعش لا تُمثله''.
جوار الأب ''فيليب'' وقفت نشوى عاطف خلف طاولة بعينين تركز على الأدوية المحيطة بها، ويدين تسارع الوقت لتجميعها، تشارك من تواجدوا لإعداد احتياجات القافلة الأولى من نوعها للعراق، يذكرها عقلها كلما انهت إعداد إحدى الصناديق ''أحنا بننقذ ناس من الموت لو أتأخرنا عليهم ممكن ناس تفقد حياتها''.
تخدم الفتاة الثلاثينية في الكنيسة منذ 2009، انضمت لفريق التسبيح، لذا كانت الصلاة بالنسبة لها أساس قبل بدء أي شيء، بقلب منكسر حسبما تصف تتمتم بالصلاة بينما تعمل ''أصلي لداعش أول ناس إن عينهم يقع من عليها القشور ويعرفوا ربنا بجد''، توقن الشابة السمراء أن ما يحدث لا يمكن أن أمر من الله قد أمر ولهذا تصلي كي تتوقف الدماء، ولا تتسرب الكراهية إلى النفس، فبقدر إيمانها بذلك، هى على قناعة ''أن بالمحبة كل حاجة أحسن'' ولهذا يأتي دعاؤها لأفراد ''داعش''.
دلف ''تيادوس'' بهدوء قاعة العمل، من العراق أتى مع العائلة عام 2010 ''لأن الوضع هناك مش مستقر''، لم يستبعد حدوث ما جرى في الفترة الماضية ''العراق بقالها سنين في خراب من حرب لأخرى.. مكنش فيه فرصة تبقى كويسة سواء اقتصاديًا او اجتماعيًا''، لن تسنح له الفرصة للذهاب خلال تلك القافلة، غير أنها لن تفوته في المرات القادمة ''لكن أنا عملت اللي عليا بشغلي مع زمايلي لمساعدة أخواتنا هناك''، قالها قبل أن ينصرف للعمل مع البقية''.
المشاركة في الإعداد كان للصغار بها نصيب، إذ حرص نادر عبد الكريم على إحضار ابنه ''ديفيد'' ذو السبع سنوات ليساعد بما يتيح له سنه أن يفعله، فيما يستعد الأب للسفر إلى العراق للمرة الأولى.
أما مارينا لوسيان بينما تنظم الأدوية التي تملأ الغرفة، لا تتخيل أن هناك أشخاص أصبحوا بلا مأوى، بينهم المريض بالقلب أو الضغط، وغيرها من الأمراض المزمنة، يفترشون الطرقات، تتألم الفتاة العشرينية مع تصور أن أحدهم يمكن أن يكون مات بطريق الفرار بعد طرده من منزله، وتتذكر التسجيل المصور عن إحدى العائلات التي تم قتل أبنائها فيما تُرك الأبوين ''يعني الواحد يبقى عايش مش عارف حتى يحمي ولاده مفيش أبشع من كده'' لذا تجد ما تفعله شيء بسيط بالمقابل، لا تضع في اعتبارها أن ما تقدمه لمن هم فقط على دينها، بل ترفض أن يتم التركيز على ذلك ''كله متبهدل''.
تواصل طالبة الصيدلة العمل بينما تدعو أن تتغمد الرحمة هؤلاء المشردون، يغالب سؤال نفسها ''هو الواحد مستعد لحاجة زي كده'' رغبتها الكامنة في أن تكون بين المسافرين في القافلة، وتتمنى أن يساعدهم ما يتشارك به.
الكنائس بالموصل كانت هي الضحية الثانية لتنظيم داعش، مر المُطران المصري بمعظمها ''كانت الكنائس هناك مركز بيجمعنا سوا.. دخلوها هدموا التماثيل وحرقوا جزء وجعلوها مركز لهم''، الاعتداء على بيوت بعض مسيحي الموصل أو الكنائس ليست المرة الأولى ''لكن هذه المرة أكثر بشاعة بكثير''، بين الأزمة التي يمر بها آل الموصل لم يكن من المطران ''نجم'' إلا أن وجه رسالة لمن يستمع أن ''ضمير الإنسان لازم يصحى''.
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك ...اضغط هنا
المتحدث باسم الكنيسة الأرثوذكسية: لقاء السيسي شمل مشاكل ترميم الكنائس