كتبت-دعاء الفولي:
ليس لعملهم ميعاد محدد، لا تخضع مصانعهم ومحلاتهم لنظام الحكومة فلا يحصلون على مرتبات ثابتة آخر الشهر، ذلك الحال وإن كان الأفضل دائمًا، فهو ليس كذلك أثناء فترات انقطاع الكهرباء التي تعاني منها محافظة دمياط التي يعتمد أكثر أهاليها على ورش تصنع الأثاث، القائمة على الكهرباء، حيث تصل معدلات الانقطاع لست ساعات يومياً، يحاول معها أصحاب العمل التعايش مع الوضع؛ فلجأ جزء منهم إلى تسريح بعض العمالة، أو تقليل نسبة الرواتب، ولا يخلُ الأمر من شكاوى تقدموا بها للمحافظة دون فائدة مرجوّة إلى الآن.
منذ شهرين بدأ الانقطاع بشكله الحالي، على حد قول ''محمود نسيم''، أحد أصحاب الورش بالمحافظة ''بيقطع ساعة عادة بين كل مرة والتانية أربعين دقيقة.. بمعدل ست مرات في اليوم''، بصفته يعمل في تلك المهنة منذ كان في الصف الثاني الابتدائي ويعرف معظم العاملين بها ''قلنا نقدم شكوى للمحافظة ونروح وزارة الكهرباء''، لم يأتهم ردا واضحا بشأن الأزمة، فعند ذهابهم لوكيل وزارة الكهرباء ''قال لنا استحملوني معلهش''.
تعوّد العاملون بمجال الأثاث بدمياط الحصول على إجازة من العمل لمدة تتراوح بين الأسبوعين والعشرين يوم عقب شهر رمضان، حيث بدأت الورش في العمل بكامل قوتها خلال هذه الأيام، لذا لم يبقَ على عيد الأضحى سوى 50 يوم فقط للعمل ''والناس داخلة على مدارس ومصاريف عيد.. لما الكهرباء تفضل تقطع هنسددها إزاي؟''.
استغاثة أرسلها الرجل الثلاثيني إلى رئاسة الجمهورية، متمنيا بها أن يتحول الوضع للأفضل، خاصة أن المحافظة وعدتهم بقطع التيار من بعد الثامنة مساءً ''لكن النور بيقطع الصبح برضو ساعة أو ساعتين''، تصل عدد الورش المُسجلة بالمحافظة إلى ما يقارب 40 ألف ورشة، يعمل في الواحدة منها أربع او خمس عُمال في المتوسط، كثير منهم من محافظات كفر الشيخ والمنصورة والدقهلية والصعيد على حد قول ''نسيم''، الذي أضاف غاضبًا ''محافظة بورسعيد جنبنا ومبيقطعش عنهم النور إلا قليل.. ما يوزعوا الأحمال بينا وبينهم على الأقل''.
يعمل ''يوسف عبد السلام'' القاطن بمنطقة الأعصر بالمحافظة بمهنة زخرفة الأخشاب منذ عشرين عامًا، آل دمياط يتوارثون المهنة عن الأب والجد، رغم أن حرفته تعتمد على العمل اليدوي ''لكن النور بيأثر على دايرة الصناعة الكاملة''، فالخطوة الأولى تعتمد على ورش تقطيع الأخشاب وهي عملية تتم آليا، ومن ثم فتوقفها لفترة يؤثر على العمليات الأخرى المبنية عليها، ليس للشاب العشريني مواعيد عمل مُحددة ''فيه ناس بتبدأ الصبح وناس بعد الضهر إحنا مش حكومة، عشان كدة قطع النور في أي وقت هيأثر علينا''.
الطامة الكبرى هي مواعيد تسليم الأثاث والتي تأثرت بشكل سلبي ''المصانع والورش عشان تسلم في المواعيد بيمضوا على نفسهم شروط جزائية.. وفي الفترة الأخيرة بيضطروا يدفعوها بسبب التأخير.. خاصة اللي بيصدروا لبرة بتبقى مشكلتهم أكبر''، في حين يلجأ جزء آخر إلى تخفيض يوميات العاملين، أو المرتب الأسبوعي إلى النصف.
ليست تلك المرة الأولى التي تعاني فيها الورش من قطع تيار لفترات طويلة، تكرر السيناريو في السنوات القريبة الماضية، لكن ليس بنفس النسبة على حد قول ''عبد السلام''، ''كنا وقتها بنستحمل ولسة هنستحمل''، إذ لا يريد المتضررون بالمحافظة اللجوء لقطع الطرق أو الاعتراض عن طريق المظاهرات ''عايزين الدولة تقدرنا.. زي ما هي عايزانا ندفع فواتير كهرباء ومياه وضرايب على محلاتنا.. لازم تسيب لنا فرصة نشتغل''.
ينقسم نظام العمل في الورش بين حصول العُمال على مرتب ثابت في الأسبوع طالما هو متواجد في المكان بغض النظر عن أي اعتبارات، أما الشق الآخر فيعتمد على عدد القطع التي يُسلمها العامل لصاحب الورشة وهو المعمول به في الأغلب، على حد قول ''محمد خلف'' أحد الشباب العاملين في الحفر على الأخشاب ''كدة العامل الغلبان ييجي آخر الأسبوع يلاقي نفسه بدل ما يعمل 3 قطع عامل واحدة فقط''.
بالنسبة لـ''خلف'' فانقطاع الكهرباء عقب الثامنة وحتى الثانية والنصف صباحًا ليس حلا ''لو اشتغلت من الصبح لبليل.. هروّح بيتنا تعبان مش هعرف أنام من غير مروحة وهيبقى عندي شغل بدري تاني يوم''، في شهر رمضان قرر العُمال بدء اليوم عقب صلاة الفجر لتوفير الوقت وحتى الظهيرة ''كان الوضع مُرهق.. في رمضان بنتسحر وبنام بعد الفجر ففترة النوم كنا بنقضيها في الشغل''.
كطريقة لتوصيل الاعتراض خرج بعض المتضررين على برامج الحوار بالتلفاز للحديث عن الأزمة في الشهر الكريم ''وبالفعل لما حصل دوشة بطلوا يقطعوه كتير.. لكن بمجرد ما الموضوع اتنسى رجع النور يقطع زي الأول''.
لماذا لم تشهد مصر احتجاجات بسبب أزمة انقطاع التيار الكهربائي ؟