كتبت- أماني بهجت:
اختلفت أسباب وجودهم، كلٌ له أسبابه، من اعتصم من أجل المناداة بعودة الشرعية، من نزل بعد الدماء التي سالت في الحرس الجمهوري والمنصة، من وقف مدافعاً عن جماعته، جمعهم الاعتصام واختلفت وسائلهم في الهروب الأخير ومحاولة الفرار من الموت.
على زخات رصاص استيقظوا، الغاز المسيل للدموع يحجب الرؤيا، استغاثات نساء تمتزج بعويل الأطفال، ممتزجين بنداء وزارة الداخلية التي تطالبهم بإخلاء الميدان ووجود ممر أمن للخروج، لكن الرصاصات كانت أسرع من محاولة التفكير في الاستجابة للنداء.
دقت الساعة السادسة بدأ ''محمود أ.'' يستمع لصيحات مختلفة، استقام فرأى قنابل الغاز وقد غطت سماء على مد البصر يقابلها كاوتشوك استخدمه المعتصمون لتفادي آثار الغاز ''شفنا الغاز بس إحنا ورا طيبة مول التعامل كان بالحي على طول'' يقولها ''محمود'' مستعيدًا ذكرى الهروب الأصعب في حياته، موضحاً أن كل منطقة وكان لها تعامل مختلف، في حين أن مكان اعتصامه كان التعامل الأقسى ''لأني من سكان المنطقة كنت عارف الشوارع الجانبية كويس فبدأنا نجري من الشوارع الجانبية''.
محاولة الخروج كانت أصعب من المواجهة ''بعد ما خرجنا من ورا طيبة مول رصدتنا هليكوبتر وبدأ رصاص هستيري علينا من كل مكان، جريت على قد ما قدرت لقيت مدرسة نطيت من سورها وفضلت جواها وبعدها من المدرسة لعمارة تانية وهكذا''، تفاصيل كثيرة مرت على ذاكرة ''محمود'' حيال كيفية الخروج من رابعة، فتارة يختبئ داخل مدرسة، أخرى داخل عمارة، وأخرها التنقل من فوق بناية لأخرى ''خرجت من رابعة ومنطقة الفض وأنا مش مصدق إني عايش بعد ساعتين وأكتر وتوالت أخبار استشهاد أصدقائي ومعارفي من الاعتصام''.
داخل خيمته هو وأصدقاؤه مكثوا طوال الاعتصام نجوا معاً مما مضى ولكن في هذا اليوم تحديداً لم يكن يعلم ''إسماعيل م'' من سيفقد من أصدقاؤه أو إذا كان دوره في الرحيل، بدأ الأمر بمواجهة مع مدرعة ''لقينا الرصاص اشتغل كنت ورا طيبة مول غالباً أول مكان بدأ فيه الفض، ومدرعة بتجري ورانا في شارع صغير جرينا كتير''، متحدثاً عن المواجهة الأولى التي طالت قليلاً ''مفيش مكان للهروب، الشارع ضيق لقينا عربية نقل استخبينا وراها، لقينا الرصاص لسه بيضرب حوالينا''، في هذه اللحظة قرر ''إسماعيل'' القيام بمجازفة، الكل يبحث عن المفر،وكان مفر ''إسماعيل'' أسفل السيارة التي اختبئ ورائها ''نزلت تحت العربية ونطقت الشهادة، المدرعة بتجري من جنب العربية، الناس بتجري وصريخ والغاز في كل مكان، رصاص مبيقفش، أنا مش شايف غير رجلين إما بتجري أو ناس اتصابت وبتقع''.
لم يعلم ''إسماعيل'' في لحظتها ما حل بأصدقائه، من استطاع ايجاد السبيل للهروب فليهرب وينجو بنفسه ''استغرقت 5 ساعات تقريباً للخروج، من ورا عربية لتحتها لمداخل عمارات لشارع رئيسي وخرجت حي''.
فتياتٌ هن بعمر الزهور، اعتادوا الدعاء والمجيء في الصباح الباكر بعد الفجر للاعتصام، ذهبوا في يوم الفض وعند وصولهم علموا بأن هناك ''أقاويل'' تتردد عن أن الفض سيتم اليوم، لم يكن أحد يصدق أن الاعتصام سيُفض حقاً، بدأت المناوشات وتواترت الأعصاب، أين المفر؟ كيف سنخرج؟ أحكموا الكماشة علينا، بالكاد يستطيع أحد الخروج حياً، كانت ''نور س'' وأختها ''ساره س'' قابعين في مكانهم، ينتقلون من مكان لأخر أعيتهم الغازات حتى لم يصبحوا قادرين على التنفس ''غطينا وشنا مفيش فايدة وماسكات الغاز مبتعملش حاجة، كنا بنفقد الوعي من وقت للتاني''، استكانت الأختان لمصيرهم مثل الباقيين ممن أتعبهم ما حدث.
''كنا بنشوف جثث بتترمي جنبنا، شفت مخ واحد طار قدامي'' تحكي ''نور'' عن جزء مما رأت، أما ''ساره'' فكانت مهتمة بالتصوير وتوثيق ما يحدث، ''في الأخر خرجنا في الطابور رافعين ايدينا على راسنا زي الأسرى، خرجنا في الطابور في نصه وأخر بنت في الطابور أخدت رصاصة وماتت''.
ستظل لحظات هروبهم محفورة في ذاكرتهم أبد الدهر، مهما مرت السنون، ذكرى النجاة من الموت وموت الروح، البحث عن الحياة والامساك بها ولو بالاختباء تحت سيارة أو القفز من سور لأخر، ذكرى البحث عن ممر آمن أو التساؤل الذي لازمهم أين المفر؟ .
لمتابعة أهم وأحدث الأخبار اشترك الآن في خدمة مصراوي للرسائل القصيرة.. للاشتراك...اضغط هنا