كتبت- أماني بهجت:
كسائر أيام الأسبوع كان اليوم، لا شيء مميز حتى السادسة صباحاً، يستعد البعض للذهاب إلى عمله أو لكليته لإنهاء بعض الأوراق المتعلقة بالدراسة، لكن هذا اليوم لم يكن عادياً بالنسبة لـ''نور محلاوي'' طالب كلية الهندسة، جامعة القاهرة.
''نزلت في ميدان الجيزة، الغاز كان واصلني'' يحكي ''محلاوي'' عن بداية احتكاكه بفض ميدان النهضة الذي كان مضطراً للمرور به أيام كُثر لإنهاء بعض الأوراق بكليته الواقع أمامها الخيام والمعتصمين، لم يكن طالب الهندسة يعلم أن الأربعاء هو اليوم المشهود، حيث فض الاعتصام وكلما راودته هذه الأفكار في طريقه من ميدان الجيزة لميدان النهضة أثناء استنشاق رائحة الغاز ''كنت بقول دي مناوشات بين الأمن والمعتصمين، متخيلتش إنهم بيفضوا''.
وصل ''محلاوي'' إلى مسافة قريبة من الاعتصام في الساعة الثامنة والنصف، وقف ليشاهد ماذا يحدث ''لقيت مدرعات كتير جداً من الجديدة دي واقفة والغاز كان مبهدل الدنيا''، ويضيف ''النداء بتاع الداخلية سيبوا الاعتصام والخروج الآمن والكلام ده كان شغال على كذا مدرعة بتلف''.
بدأ ''نور'' يشعر بالاختناق جراء الغاز الكثيف فتراجع بعض الشيء ''مكنش فيه رؤية من كتر الغاز، رجع ورا وبعدين لقيت 7 شباب تقريباً من المعتصمين لابسين ماسكات غاز وشنط على الضهر لابسينها على بطنهم وواقفين قدام مدرعة بيحاولوا يمنعوها من التقدم''.
في هذه الأثناء كان الفض قد قارب على الانتهاء فلم يعد هناك الكثير من المعتصمين في الأفق ''قررت أمشي وهنا كانت المغامرة في محاولة الخروج من دايرة الاعتصام وما حوله''.
اعتصام النهضة عُرف ببراعته في زرع العداءات في وسط المناطق المحيطة به ما بين ''المنيل'' و''بين السرايات'' وما حدث هناك، كان الجميع متأهباً لاصطياد أي شخص كان بالاعتصام، فلدى هؤلاء تار لا يهدأ ''وصلت عند بين السرايات كان فيه واحد بدقن بس ملوش دعوة بالاعتصام، الناس ضربته وبهدلته، وبعدين خلصناه من إيديهم وسابوه لما عرفوا إنه مش إخوان''، هذا المشهد لا يغيب عن ذاكرة طالب الهندسة أبدًا.''، جاء ذلك لأن ''الناس كانت متحفزة ومرتاحة للفض، كانوا حاسين إنهم بياخدوا حقهم'' على حد تعبيره.
لم يريد ''نور'' أن يشهد فض الاعتصام الذي اعتقد أنه لن يُفض بالقوة، ولكنه استكمل مسيرته بدافع توثيق ما حدث في الفض ''كملت عشان أبقى شفت بعيني معتمدش على التليفزيون وعلى حسب أهواء كل قناة''، لذا يبدو جلياً أن من حضر فض الاعتصام يتذكر اليوم جيداً ولا تغيب عنه التفاصيل ''مفتكرش إني هنسى اليوم ده، شفت ناس بتحاول تهرب من الموت''.
وعن كليته التي احترق إحدى مبانيها جراء اختباء جزء من المعتصمين بها ''فيه مباني في الكلية أثار الرصاص لسه معلمة فيها، غير المبنى اللي بقاله سنة تجديداته مخلصتش''.
فُض الاعتصام ولا تزال توابعه موجودة حتى اليوم، ما بين شرطي شاب استشهد من نيران الاعتصام، وآخر معتصم تفحّم جسده، ومبنى كليةٍ لايزال تحت الإصلاح، ونفوس لن تنسى ما رأت مهما حيت.