كتبت – أماني بهجت:
أعدّوا إفطارهم وانتظروا مدفع الإفطار أثناء دوريتهم لحراسة الحدود، لكن سبق آذان المغرب ومدفع الإفطار مدفع من نوع أخر، طلقات تدوي وبارود يتناثر في الهواء، دماء على الرمال، وأشلاء تغطى المكان، لم يعد رمضان بالنسبة لهم شهرُ يتجمع فيه الأحباب، وتصفد فيه الشياطين، ويتقرب إلى الله بالنوافل ويلم به الشتات، أضحى شهراً يُنتظر فيه أين الهجوم القادم، اي ضربة سيوجهها الإرهاب للجنود الصائمين على الحدود سواء أكانت غربية أو شمالية، تتعد الأسباب والموت واحدٌ والتوصيف أيضاً واحد "هجوم إرهابي على النقطة كذا".
بدأ الأمر في 5 أغسطس 2012 الموافق 17 رمضان، في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي عند حدوث "مذبحة رفح الأولى" والتي راح ضحيتها 16 من مجندي الأمن المركزي، عندما كانوا يعدون وجبة إفطارهم قبل المغرب بدقائق فارتقوا إلى ربهم صائمين، كانت تلك الحادثة الأولى من نوعها بعد الثورة التي تستهدف هذا العدد من الجنود، وأشعل الحادث غضب المصريين وظهر هذا جلياً في الجنازة العسكرية والشعبية التي شيعت فيها جثامينهم ولم يحضرها رئيس الجمهورية وقتها محمد مرسي آنذاك ولكن قام بإقالة وزير الدفاع السابق المشير طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان.
يمر عام وتعاد الكرة من جديد، ففي 19 أغسطس 2013 حدثت "مذبحة رفح الثانية"، وذلك عقب عزل محمد مرسي وفض اعتصامي "رابعة والنهضة"، وقتل في هذا الهجوم 25 مجندا وأصيب 3 آخرين، تكرر الحادث ولكن الاختلاف الوحيد أنه لم يكن في رمضان.
وبعد مرور عامين على مذبحة "رفح الأولى" تكررت الحادثة ولكن هذه المرة في الحدود الغربية، في الكيلو 100 على طريق الفرافرة القاهرة، نفس المكان الذي تعرض منذ شهرين فقط لهجوم إرهابي رحل على إثره 5 جنود وضابط، ليمر شهر و20 يوم ليتكرر الحادث في نفس المكان لكن هذه المرة ليحصد المزيد من الأرواح.
هجوم مسلح على كمين.. تتخبط الأنباء، ففور إعلان الخبر أعلنت بعض وكالات الأنباء أن الحادث نتيجة اشتباك مع مهربين، تتواتر الأنباء وتتضارب الأخبار ليصبح "هجوم إرهابي" وحتى صدور بيان من المتحدث العسكري للقوات المسلحة صرّح فيه أن الهجوم جاء نتيجة استهداف مجموعة إرهابية لإحدى النقاط وخلال تبادل النيران حدث انفجار في مخزن للأسلحة مما أسفر عن سقوط عدد كبير من الشهداء.
"أوله رحمة وأوسطه مغفرة وأخره عتق من النار"، حديث شريف عن رمضان ولكن أصبح رمضان في مخيلات جنود الأمن والجيش أوسطه ذكرى مذبحة رفح وأخره مذبحة جنود حرس الحدود.
ليزداد عداد شهداء الحدود بانضمام شهداء الوادي الجديد معظمهم من المجندين الذين لم يتموا سنتهم الثانية والعشرين، ليتركوا الغصة في حلق آبائهم، والحسرة في قلوب أمهاتهم، واليتم في نفوس أبنائهم، ليمضي أهلهم العيد بدونهم لأول مرة بنفوس يسكنها الحزن والآسى.