كتب- نيرة الشريف :
كانت تسير بخطوات بطيئة متثاقلة، ربما هذا بفعل الحمل الذي تحمله فوق رأسها، حيث تحمل شنطة ممتلئة بالخضراوات، وربما بفعل سنوات عمرها الأربعين الذين تحملهم علي كاهلها، كانت تمسك بيدها طفلا صغيرا يتململ في مشيته من شدة الحرارة، وسخونة الأرض علي قدميه الصغيرتين، والتي لا يحميه منها حذائه الصغير، كانت تجاهد لكي تستطع أن تتمكن من النظر إلي وجهه وقياس مقدار تعبه ''خلاص يا حبيبي هانت.. هنركب العربية وتقعد دلوقتي بعيد من الشمس.'' حاولت بعد هذه الجملة أن تجعل خطواتها أسرع قليلا لكي تصل للسيارة التي ستقلهم إلي بلدتهم في أقل وقت ممكن،، تقطن سامية محمد في محافظة الشرقية، تأتي للقاهرة لتبيع بعض الخضراوات القليلة التي تأتي بها من بلدتها وتعود لبيتها بكثير من التعب وقليل من الجنيهات ''أحنا غلابة وهما غلابة'' هكذا ردت معقبة علي زيادة الأجرة التي تقوم بدفعها لتصل إلي بلدتها، ليست حانقة علي شيء ولا علي أحد أبدا، رغم أن الجنيه أو الجنيهين المتمثلة فيهم زيادة الأجرة يمثلون بالنسبة لها أيضا شيء هام، وليس بالسهل التضحية بهم يوميا أو علي الأقل يوما بعد يوم ''ده نصيبنا وقسمتنا، وده نصيبهم.. أيه هنقول؟! غير إننا نعيش مستورين والعيال يبقوا كويسين.''
بمجرد دخولك موقف عبود حيث تتراص كثير من السيارات التي تتراوح ما بين كونها ميكروباصات وبيجوهات تقطع الطرق ذهابا وإيابا بين القاهرة وما يحيط بها من محافظات الوجه القبلي والبحري، لا تكلّ من عملها هذا ولا تملّ إلا من زيادة أسعار الجاز والسولار واختفائه من وقت للآخر، وإدارة الموقف والمرور والبلطجية وسماسرة السولار، لا يتعبها كثرة العمل وإرهاق السفر ذهابا وعودة، بقدر ما يُتعبها كل ما سبق، بمجرد ما تبدأ الكلام مع أحدهم حتى يجتمع حولك العشرات منهم، ولكل واحد فيهم قائمة مشكلات خاصة به.
علاء مصطفي عبد المعطي لديه من العمر سبع وأربعين عاما، يعمل سائقا للميكروباصات وسيارات الأجرة منذ ما يقارب العشرين عاما، والذي يعمل الآن سائقا علي خط المنصورة القاهرة، كان علاء يقوم بملء سيارته بالسولار بنحو 40 أو 45 جنيها، هو الآن يفعل الأمر نفسه بما يقدر ب80 أو 90 جنيها – علي حد كلامه وتقديره- وأقرت الحكومة لعلاء أن يرفع ثمن أجرته جنيها واحدا لتصبح خمسة عشر جنيها بدلا من أربعة عشر، وفي ظل الغلاء والصيام استبدل علاء عدد مرات ''المشاوير'' – من المنصورة للقاهرة- التي يقوم بها من مشوارين وثلاث إلي مشوارا واحدا، ''أنا بكسب في اليوم 75 جنيه، وبصرف في اليوم 100 جنيه ما بين سجايري وأكلي وشربي والبيت والعيال الأربعة'' حسبة برما – كما يصفها علاء- لكنه يفعلها ''وبتتقضي.. هما قالوا لنا نزود الأجرة 10% بس، وأحنا التزمنا و زودناها زي ما قالوا، بس كل حاجة قدامها زادت، البنزين والجاز والأكل والشرب والسجاير.''
أما مصطفي الصحصاحي -47 عاما- فيواجه مشكلة كبري، مع العشرات من زملائه، وهي أنهم لا يمتلكون ''جوابات'' - والجوابات التي وصفها مصطفي هي خطوط سير سياراتهم، والتي يجب أن تكون محددة وموضحة بورقة رسمية- ''أحنا كان معانا جوابات في موقف أحمد حلمي، لكن لما اتنقلنا موقف عبود، قالوا فيه ضغط، ورفضوا يجددوا لنا الجوابات.'' موقف مصطفي وزملائه الذين تتعنت الإدارة في منحهم التجديدات لخطوط سيرهم، جعل وقوفهم في الموقف غير شرعي، وتملك الإدارة طردهم منه أو عدم إدخالهم إليه.
وعن زيادة الأجرة يقول ''هما زودوا سعر السولار وأحنا زودنا الأجرة جنيه ولا أتنين، والزباين فاهمين ومقدرين، وهما علي طريق سفر مش بيعملوا مشاكل ولا خناقات.. أحنا شوفنا أيا سودا كتير، شوية البنزين مش موجود خالص ويسيبونا تحت إيدين السماسرة والحرامية، ومرة موجود بس غالي، أحنا ليه بييجوا علينا في كل وقت؟!''
''الإدارة بتاخد مننا كارته بحوالي 50 جنيها الرسمي فيهم اللي الدولة بتاخده حوالي 13 ولا 14 جنيها، والإدارة بتاخد الباقي طول ما أحنا مش معانا خطوط سير، وطول ما وجودنا مش رسمي بندفع اللي بيقولوا عليه من غير ما نتكلم.'' هكذا برر ياسر عبد الهادي مصطفي -37 سنة- عدم منحهم التجديدات هو و65 سائقا علي الأقل من زملائه، أما زملائه الذين يمتلكون خطوط سير مجددة فيقع الأمر في مصلحتهم تماما، كما يصف ياسر، لأن نمر السيارات التي تمتلك الجوابات يرتفع سعرها الآن لمئات الآلاف، يشكو ياسر أيضا من كونه في أحيان كثيرة يأتي للموقف بالركاب ويقوم بإنزالهم خارجه ويعود للمحافظة التي آتي منها بلا زبائن لأن الإدارة ترفض إدخاله للموقف من الأساس، وهو ما يرغمه أن يعود دون أن يحمّل سيارته، وهو ما يعرضه أيضا لمخاطر التعرض لقطاع الطرق والبلطجية، يشكو أيضا أنه لم يعد كما السابق قادرا علي أن يسافر عدة مرات في اليوم ''أنا بسافر دلوقتي مرة واحدة، وساعات بشتغل يوم وبقعد اليوم التاني في البيت ''أحنا مابنعرفش نعتب الموقف غير يوم الأربعاء أو الخميس، بيدخلوما مرغومين عشان الزباين كتير.''
''كلنا مديونين وعلينا أقساط، والدولة ما أدتناش أي حاجة..وأحنا مش عاوزين حاجة غير تشغيل عربياتنا بحتة ورقة.'' هكذا يقول طارق شفيق-40 سنة- سائق علي خط القاهرة/المنصورةـ- مشيرا إلي رغبته في تجديد خط سيره رسميا، ويضيف قائلا ''أنا بشتغل في اليوم 70 جنيه، بصرف 30 جنيه سجاير وأكل، وبرجع البيت ب40 جنيه للعيال وأمهم، وساكن في الأرياف بإيجار 400 جنيه، لو كنت فكرت أسكن في البندر عندنا كنت هسكن ب700 ولا ب 800 جنيه، أنا بمشي الشهر بمعجزة!''
''مش كل السواقين ملتزمة بالزيادة المحددة للأجرة، فيه ناس بتزود خاصة الميكروباصات اللي بتشتغل داخل القاهرة'' هكذا يعلق محمد علاء -37 عاما- محاسبا- ويلفت محمد إلي أن بعض السائقين استغلوا زيادة أسعار السولار والبنزين وأرادوا زيادة الأجرة إلي الضعف، وهو ما نتج عنه بعض الخلافات والمشاحنات بين الركاب والسائقين، فالزبائن أيضا ترفض قبول الزيادة المبالغ فيها.